أظن أن الفلسفة السائدة والمُسيطرة على وعي الشعب المصري بأغلب طبقاته وفئاته والمُوجهة لسلوكه وأفعاله هي "فلسفة كأن المصرية". وفلسفة كأن تعني أنه لا شيء حقيقي أو صادق حولنا، وأن واقعنا وحياتنا ظلالٌ وأوهامٌ وتمثيلٌ متبادلٌ بين الجميع؛ فكأننا نحيا، وكأننا نتعلم، وكأننا نُعلم، وكأننا نعمل، وكأننا ننتج ونطور، وكأننا نملك مؤسسات وأحزابا وحياة سياسية، وكأننا نُصلح الوضع القائم ونغير الواقع، وكأننا نقوم بكل شيء على أكمل وجه، رغم أننا في الحقيقة لا نفعل شيئًا، ونسير في المكان حينًا، ونرجع للخلف في أغلب الأحيان.
وهناك فارق كبير بين "فلسفة كأن المصرية" و"الفلسفة المثالية الألمانية" التي ترى أن المثال وما ينبغي أن يكون هو كل شيء، وتنطلق من افتراض وجود المثال والإيمان بإمكانية تحقيقه، لكي تجعله ببذل الجهد والإخلاص في العمل حقيقة وحياة تُعاش، يجني ثمارها الناس.
أما "فلسفة كأن المصرية"، فهي فلسفة واقعية لها جذور تاريخية واجتماعية ونفسية عميقة في مصر، وهي تُؤسس على اليأس من إمكانية تغير حالنا وواقعنا إلى الأفضل؛ ولهذا فهي "تُؤسطر" الواقع المتردي حولنا، أي تُضفي عليه صفات أسطورية خارقة، تجعله راسخًا وأصيلًا وقدرًا أبديًا غير قابلة للتغيير، وتجعل شعار التعامل معه وقبوله، هو مقولة المصريين الخالد: مفيش فايدة.
وهذا يعني أن "فلسفة كأن المصرية" هي في وجهها الآخر فلسفة في اللامبالاة وعدم الاكتراث. وهي حيلة مصرية أصيلة تهدف للحفاظ على التوازن النفسي، وتقبل خيبة الأمل، والتعايش مع الواقع المتردي الذي يصعب تغييره. لكنها تؤدي في النهاية إلى التدهور والتردي العام، وإلى تعميق حالة الانقسام والتشرذم المجتمعي، ليصبح لسان حال كل إنسان ومجموعة طبقية أو مهنية في مصر: "أنا ومن بعدي الطوفان".
ولهذا ينبغي على المخططين اليوم لإعادة بناء الإنسان المصري، وبناء الدولة ومؤسساتها، وحماية ثوابتها الوطنية، وحماية أمنها القومي، ومواجهة المخاطر والتهديدات التي تستهدفها، وتصويب أخطاء أنظمة الحكم السابقة، أن يصنعوا للمصريين ثورة للأمل والعمل والوطنية والإخلاص والشعور بالواجب. ثورة تمحو وجود وظلال "فلسفة كأن" وأثارها السلبية من عقل وحياة المصريين، ليقوم كل منا في موضعه بواجبه وعمله كما ينبغي أن يكون، وهو على يقين أن هناك أمل.
- يا موتانا.. ذكراكم قوت القلب ..!
- اذكرونا وسامحونا..!
- لماذا يُعاني الأخيار الصالحون؟!
- ثورة ٣٠ يونيو ومشروع الدولة الوطنية..!
اعلان
باقى المحتوى
باقى المحتوى