ثمن الدكتور القس أندرية زكى رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر، جهود الدولة المصرية في عملية بناء الإنسان وكافة المساعي والمبادرات التي تقوم بها لأجل هذا الهدف، ومن أهم المبادرات في هذا الشأن هي مبادرة بداية جديدة والتي تشترك فيها الحكومة مع مؤسسات المجتمع المدني في إطار الاهتمام ببناء الإنسان المصري بهدف الاستثمار في رأس المال البشري، وترسيخ الهوية المصرية.
وقال زكي، خلال مؤتمر الإنسان في الدولة الوطنية الحديثة والذي نظمه منتدى حوار الثقافات التابع للهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، بحضور الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف وعدد من الشخصيات العامة أن مبادرة بداية ترتكز أيضا على بناء الوعى، وإعداد أجيال جديدة تترسخ لديها قيم الانتماء والولاء للدولة المصرية، والحفاظ على مقدرات الوطن والمشاركة بفاعلية في عملية التنمية الشاملة، لافتا إلى أنها تعمل في مجالات عديدة: مثل التربية والتعليم والصحة والثقافة، وتتكاتف فيها كافة الجهود من كافة الجهات المعنية للوصول إلى هذه الأهداف.
وأضاف زكي أنه من أهم المؤسسات التي تسهم في عملية بناء الإنسان هي المؤسسة الدينية، موضحًا أن الخطاب الديني يلعب دورًا كبيرًا وله تأثير عميق على شخصية الإنسان وبنائه. إذ يلعب الدين دورًا محوريًّا في حياة الناس، وصياغة التفاعل الاجتماعي في الحياة اليومية، ويقف الخطاب الديني وراء كافة التفاعلات اليومية في المجتمع.
وشدد على أن أي خطوة في بناء شخصية الإنسان يجب أن تضع في اعتبارها التأثير العميق للخطاب الديني في بناء الشخصية، مشددا على أهمية التفريق بين «الدين» و«الخطاب الديني»، موضحًا بأن الدين منظومة إيمانية جاءت في نصوص مقدسة يؤمن بها الإنسان ويكوِّن من خلالها علاقة مع الخالق، أما الخطاب الديني فهو اجتهادات وتأويلات تحاول تفسير النصوص الدينية؛ وهذه نشاطات فكرية بشرية، خاضعة للمراجعة واختلاف الآراء والرؤى والتوجهات الفكرية، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تكون هذه الاختلافات مدعاة للصراع أو النزاع أو التقليل من شأن الآخر.
ودعا زكي إلى ضرورة التفرقة بين دور الدين في المجتمع، وبين تحويل الدين إلى أيديولوجية أو استخدامه سياسيًّا، أو توظيفه بأي شكل من الأشكال وهذا من شأنه أن يبعد الدين عن أهدافه الأساسية السامية.
وطالب بضرورة ترسيخ القيم الأخلاقية والإنسانية، والتركيز على القيم التي تحث على الاحترام، التسامح، الرحمة، والعدالة، والتي تُعد أساسًا للتعايش السلمي، معتبراً أن التركيز على التفسير المتعدد للنص يسهم يرسخ للتسامح وقبول الآراء المختلفة، ويبحث عن الأرضية المشتركة بين الأطراف المختلفة، ويعززها، ويتعامل باحترام مع مساحات الاختلاف.
وأكد زكي أن الخطاب الديني يشكِّل جسرًا بين أفراد المجتمع من خلال التمسك بالقِيَمِ الإنسانية الراقية التي نادت بها الأديان وتعزيز الحوار البنَّاء بين أتباع الأديان والذي من شأنه أن يخلق حالة من السلام والتماسك المجتمعي.
وأوصى بأهمية تشجيع الأفراد على التفاعل مع النص الديني وقراءته بفهم وتحليل، وربط النص الديني بسياقه التاريخي، والعودة به إلى عصرنا الحالي، لقراءته في إطار تحديات واحتياجات عصرنا الراهن. وبالتالي سينتج خطاب ديني متواكب مع التحديات المجتمعية والاحتياجات البشرية المختلفة، منوهاً أن الخطاب الديني يدعم الأرضية المشتركة ويحترم مساحات الاختلاف، ويجب أن يقوم هذا على ترسيخ لغة الحوار والتأكيد عليها. والحوار هنا ليس حوارًا فقهيًّا- لاهوتيًّا، إنما يمتد إلى حوار الحياة المشتركة والاتحاد سويًّا في مواجهة التحديات التي يواجهها المجتمع، فالمؤسسات الدينية (الجامع والكنيسة) ليست جزيرة منعزلة عن المجتمع إنما هي جزء منه لا تقدر أن تنفصل عنه، مضيفا أن الحوار والتعاون بين المؤسسات الدينية سيكون له دور كبير في تحقيق السلام المجتمعي، على أن تكون ثمار هذا الحوار واضحة لرجل الشارع.
رئيس «الإنجيلية»: التركيز على التفسير المتعدد للنص يرسخ للتسامح وقبول الآراء المختلفةرئيس «الإنجيلية»: التركيز على التفسير المتعدد للنص يرسخ للتسامح وقبول الآراء المختلفةرئيس «الإنجيلية»: التركيز على التفسير المتعدد للنص يرسخ للتسامح وقبول الآراء المختلفةولفت زكي إلى أهمية تعزيز الانتماء للوطن والشعور بالمسؤولية الاجتماعية من خلال التأكيد على أهمية الحفاظ على سلامة الوطن وسيادة الوئام والمحبة والتناغم بين أفراد المجتمع، واحترام التنوع الثقافي والديني، وتشجيع الإنسان على الإخلاص في عمله وتقديم أفضل ما لديه لفائدة المجتمع ومصلحته، وربط السلوك الإنساني بالعقيدة.
وقال زكي أن الهدف من الخطاب الديني ليس تشكيل إنسان يحفظ النص الديني أو لديه معلومات دينية فقط، أو يؤدي طقوس أو فرائض فقط، كل هذه أمور مهمة. لكن يجب على الخطاب الديني أن يحفز الإنسان على تفعيل قوة هذه الممارسات والنصوص الدينية في الحياة اليومية، والتي تتجسد في الأمانة تجاه العمل والمجتمع، والحرص على البيئة باعتبار الإنسان وكيلًا عليها ومسؤولًا عنها أمام الله.
واختتم زكي كلمته بأن الخطاب الديني يستطيع أن يساهم مساهمة فعَّالةً وحقيقية في بناء الإنسان، والتي هي مهمة مقدسة نتكاتف جميعًا لتحقيقها، حتى نستطيع أن نحقق لبلادنا وللمواطن المصري إلى الرفاهة والتقدم وجودة الحياة بما يليق بكرامته الإنسانية.