أكد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء أن السلاسل اللوجستية تُعد بمثابة الشريان الحيوى للاقتصاد العالمى؛ والتى تربط بين المنتجين والمستهلكين فى جميع أنحاء العالم عبر شبكة معقدة من الإنتاج والنقل والتوزيع، إلا أن هذه الشبكات تواجه تحديات متزايدة، لاسيما مع تزايد الضغوطات على النقاط البحرية الاستراتيجية، مثل: مضيق هرمز والبحر الأحمر، وباتت هذه النقاط فى الوقت الحالى أكثر عرضة للتأثر بالتوترات الجيوسياسية والتغير المناخى، مما قد يهدد بعرقلة التجارة العالمية وزيادة التكاليف.
وأشار مركز المعلومات فى تحليل جديد له أن السلاسل اللوجستية تُعرف بأنها إدارة عمليات إنتاج ونقل وتوزيع السلع عبر سلسلة التوريد التجارية، وتعد هذه السلاسل حلقة الوصل التى تربط بين الشركات المنتجة والمستهلكين، وتتكون السلاسل من نوعين من العمليات، وهى عمليات الدخول، التى تشمل (إدخال المواد والإمدادات)، وعمليات الخروج، التى تشمل (توزيع المنتجات للتجزئة والمستهلكين).
وتلعب السلاسل اللوجستية دورًا محوريًّا فى الاقتصاد العالمى، حيث تضمن تدفق البضائع بكفاءة من المنتجين إلى المستهلكين، وتساهم فى تعزيز التجارة الدولية. بالإضافة إلى ذلك، يساهم تنفيذ خدمات لوجستية فاعلة فى زيادة مرونة الشركات لمواجهة التقلبات العالمية. ومع توسع التجارة العالمية، أصبحت السلاسل أكثر تعقيدًا، ومن ثم يجب على الشركات تحسين عملياتها اللوجستية بشكل مستمر لتجنب نقاط الضعف وضمان تدفق السلع فى جميع أنحاء العالم بسلاسة.
أفاد التحليل بأن أهم التحديات التى تواجه السلاسل اللوجستية فى الوقت الحالى تتمثل فى الاضطرابات التى تواجهها نقاط الاختناق البحرية، والتى تُعرف بأنها مناطق استراتيجية حيوية فى المحيطات والبحار، وقد تكون هذه النقاط مضايق بحرية طبيعية أو قنوات مائية اصطناعية ضيقة تستخدم كطرق بحرية، وهى بمثابة نقاط تفتيش أساسية على طرق الملاحة البحرية. وتلعب هذه النقاط دورًا أساسيًّا لضمان استمرارية حركة التجارة العالمية وللحفاظ على سلاسل الإمداد اللوجستية العالمية، وتتميز بكثافة الحركة المرورية بها بسبب مواقعها الاستراتيجية، لكن يمكن أن تتسبب فى مخاطر متعددة، مثل تعطل السفن وحدوث انسدادات مرورية لفترات طويلة، مما يؤدى إلى أضرار اقتصادية جسيمة للشركات. وتأتى أهمية نقاط الاختناق من كونها تقع على مسارات التجارة البحرية الحيوية، ومن بين أبرز هذه النقاط: (مضيق هرمز- مضيق ملقا بين المحيطين الهندى والهادئ- مضيق باب المندب- قناة السويس). أشار مركز المعلومات فى تحليله إلى أنه وفقًا لتقرير النقل البحرى لعام ٢٠٢٤ الصادر عن الأونكتاد، تواجه نقاط الاختناق ضغوطات متزايدة نتيجة للتوترات الجيوسياسية، والتغير المناخى، والصراعات التجارية العالمية، مما يهدد السلاسل اللوجستية العالمية، ويعرض الاقتصاد العالمى والأمن الغذائى وإمدادات الطاقة لمخاطر متزايدة.
أفاد التحليل بأنه انطلاقًا من الأهمية المتزايدة لنقاط الاختناق فى الاقتصاد العالمى، نتج عن الضغوط التى تواجهها هذه النقاط تأثيرات اقتصادية مهمة، مثل ارتفاع تكاليف النقل وتكاليف المواد الخام، كما يمكن أن يؤدى تأخير الشحن إلى تعطيل عمليات الإنتاج والتأثير فى قدرة الشركات على المنافسة. وتسببت الاضطرابات التى واجهتها طرق الشحن الرئيسة فى التأخير وإعادة التوجيه وارتفاع التكاليف مما نتج عنه انخفاض حركة المرور فى عدد من الممرات الملاحية العالمية، ومنها قناة بنما.
ويعزى هذا الانخفاض فى حركة المرور إلى انخفاض منسوب المياه الناجم عن التغير المناخى الذى واجهته قناة بنما، واندلاع الصراع فى منطقة البحر الأحمر، مما أثر فى حركة التجارة. وفى الوقت نفسه، انخفضت حمولة السفن العابرة عبر خليج عدن بنسبة ٧٦٪ مقارنة بأواخر عام ٢٠٢٣.
ونتيجة للاضطرابات التى شهدتها الممرات الملاحية العالمية، شهدت حركة التجارة إعادة توجيه البضائع حول رأس الرجاء الصالح والطرف الجنوبى من إفريقيا زيادة كبيرة؛ وعلى الرغم من أن تحويل حركة البضائع لطريق رأس الرجاء الصالح ساهم فى الحفاظ على تدفق البضائع، فإنه أدى إلى ارتفاع التكاليف بشكل كبير والتأخير، بالإضافة إلى زيادة انبعاثات ثانى أكسيد الكربون.
وعلى سبيل المثال، تتحمل سفينة حاويات كبيرة تحمل ما يتراوح بين ٢٠.٠٠٠ إلى ٢٤.٠٠٠ وحدة مكافئة لعشرين قدمًا (TEUs) على طريق الشرق الأقصى- أوروبا مبلغًا إضافيًا قدره ٤٠٠.٠٠٠ دولار أمريكى من تكاليف الانبعاثات لكل رحلة وفقًا لنظام تداول الانبعاثات (ETS) التابع للاتحاد الأوروبى عند المرور من طريق رأس الرجاء الصالح، بدلًا من المرور عن طريق البحر الأحمر.
والجدير بالذكر أن التحويل للطرق الطويلة أدى إلى تزايد الازدحام فى الموانئ، وزيادة استهلاك الوقود، وارتفاع أجور الطواقم وتكاليف التأمين، إضافة إلى تعرض أكبر لظاهرة القرصنة.
أضاف التحليل أنه بحلول منتصف عام ٢٠٢٤، أدى تحويل مسار السفن بعيدًا عن البحر الأحمر وقناة بنما إلى زيادة الطلب العالمى على السفن بنسبة ٣٪، وعلى سفن الحاويات بنسبة ١٢٪، مقارنة بالوضع الذى كان سائدًا قبل هذه التحويلات، مما وضع ضغوطًا كبيرة على الخدمات اللوجستية العالمية وسلاسل التوريد المتوترة.
أوضح التحليل أنه مع تزايد الطلب على خدمات الشحن نتيجة لإعادة توجيه السفن، واجهت الموانئ مثل سنغافورة والموانئ الرئيسة فى منطقة البحر الأبيض المتوسط ضغوطًا متزايدة لتلبية هذا الطلب المتزايد. وجدير بالإشارة إلى أن زيادة الازدحام فى هذه الموانئ أدت إلى زيادة التعقيد فى شبكات النقل والتجارة العالمية.
وتجدر الإشارة إلى أن الارتفاع الحاد فى أسعار الشحن له تداعيات عميقة على التجارة العالمية واستقرار الاقتصاد العالمى، ووفقًا لإحصاءات الأمم المتحدة للتجارة والتنمية للنقل البحرى عام ٢٠٢٤، يُتوقع أن ترتفع أسعار المستهلك العالمية بنسبة ٠.٦٪ بحلول عام ٢٠٢٥ نتيجة زيادة تكاليف الشحن عبر سلاسل التوريد. ومن المتوقع أن تواجه الاقتصادات الهشة مثل الدول الجزرية الصغيرة النامية ارتفاعًا أكثر حدة، مع ارتفاع أسعار المستهلك بنسبة تصل إلى ٠.٩٪، مما يهدد الأمن الغذائى والنمو الاقتصادى. ومن المتوقع أن ترتفع أسعار الأغذية المصنعة، على وجه الخصوص، بنسبة ١.٣٪، مما يزيد من تفاقم التحديات التى تواجهها هذه الدول.
أشار التحليل إلى أنه بالنسبة للدول الجزرية الصغيرة النامية والدول الأقل نموًّا، التى تعتمد بشكل كبير على شحن السلع الأساسية، فإن ارتفاع التكاليف يؤدى إلى تآكل القدرة التنافسية التجارية. وقد شهدت الدول الجزرية الصغيرة النامية بالفعل تراجعًا فى الاتصال البحرى لديها بمعدل ٩٪ فى المتوسط خلال العقد الماضى، مما أثر فيها بشكل كبير خاصة فى ضوء تقلب أسعار الشحن.
أوضح التحليل أنه خلال السنوات الأخيرة شهدت سلاسل الإمداد العالمية مجموعة من التحديات المتنوعة والمتزايدة، مثل: التضخم السريع، والاضطرابات الجيوسياسية، والظروف الجوية المتقلبة، بالإضافة إلى تأثير جائحة «كوفيد- ١٩» بشكل كبير فى العمليات اللوجستية. وفى ضوء هذه الاضطرابات تأتى أهمية تسليط الضوء على بعض الإجراءات التى قد تساهم فى الحد من الآثار السلبية لمثل هذه الاضطرابات، ومن أهم هذه الإجراءات التحول الرقمى والذى يمكن أن يلعب دورًا حيويًّا فى تعزيز قدرة سلاسل الإمداد على التكيف مع التحديات الحالية. وبالاعتماد على تقنيات مثل إنترنت الأشياء، الذكاء الاصطناعى، الطائرات بدون طيار، والروبوتات، سيساهم التحول الرقمى فى تحسين كفاءة عمليات سلاسل التوريد.
وبالإضافة إلى أهمية التحول الرقمى، يجب تطوير البنية التحتية من خلال تعزيز الاستثمارات فى الموانئ ووسائل النقل لتجنب وتقليل الاختناقات البحرية التى قد تعرقل سلاسل الإمداد. ومن ثم يجب على الشركات والدول الاهتمام بتصميم استراتيجيات جديدة للمساعدة فى التغلب على تحديات سلاسل الإمداد.
أشار التحليل إلى أن التجارة البحرية بدأت فى التعافى بعد انخفاضها فى عام ٢٠٢٢، حيث ارتفعت بنسبة ٢.٤٪ فى عام ٢٠٢٣ لتصل إلى ١٢.٢٩٢ مليون طن. وعلى الرغم من هذه الزيادة، إلا أنه توجد حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل التجارة البحرية. ووفقًا لتقرير النقل البحرى لعام ٢٠٢٤ الصادر عن الأونكتاد، يُتوقع أن يشهد عام ٢٠٢٤ نموًّا معتدلًا بنسبة ٢٪ فى التجارة البحرية، وذلك نتيجة للطلب المتزايد على السلع السائبة مثل خام الحديد والفحم والحبوب، بالإضافة إلى ذلك يُتوقع أيضًا أن تشهد تجارة الحاويات تحسنًا ملحوظًا؛ حيث يُتوقع أن تنمو بنسبة ٣.٥٪ فى ٢٠٢٤ مقارنة بنموها بنسبة ضئيلة قدرها ٠.٣٪ فى عام ٢٠٢٣. ومع ذلك، يظل النمو على المدى الطويل معتمدًا بشكل كبير على قدرة الصناعة على التكيف مع التحديات المستمرة، مثل التوترات الجيوسياسية فى مناطق مثل أوكرانيا والشرق الأوسط.
وفيما يتعلق بسعة سفن الحاويات، فقد شهدت نموًّا بنسبة ٨.٢٪ فى عام ٢٠٢٣؛ حيث ساهمت الاضطرابات فى الممرات البحرية الرئيسة فى زيادة الطلب على السفن نتيجة لتعديل طرق النقل، مما ساعد فى تخفيف مشكلة فائض الطاقة. ومع ذلك، فى حال عودة طرق الشحن إلى حالتها الطبيعية، قد يحدث انقلاب فى التوازن بين العرض والطلب مما يؤدى إلى زيادة فى سعة سفن الحاويات.
أفاد التحليل فى ختامه بأن التحديات التى تواجهها السلاسل اللوجستية العالمية تتطلب استجابة شاملة ومتكاملة، لذا يجب على الحكومات والشركات والمنظمات الدولية العمل معًا لتطوير استراتيجيات مرنة وقادرة على التكيف مع التغيرات المستمرة فى الاقتصاد العالمى من خلال الاستثمار فى البنية التحتية، وتعزيز التعاون الدولى، وتبنى التقنيات الرقمية، مما سيساهم فى بناء سلاسل إمداد أكثر مرونة وقدرة على مواجهة التحديات المستقبلية، حيث يعد استقرار السلاسل اللوجستية بمثابة حجر الزاوية لضمان نمو اقتصادى مستدام ورفاهية عالمية.