طريق لم يكن سهلًا، لكنه كان مليئًا بالأمل. قطعه عشرات المرضى والجرحى الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة فى رحلة البحث عن العلاج.. عبروا ، تاركين خلفهم جراح الحرب ودمار العدوان، ليجدوا فى مصر يدًا تمتد بالعون والرعاية، ومؤسسات طبية مجهزة لاستقبالهم، وأطباء مصريين نذروا أنفسهم لإنقاذ حياة أشقائهم الفلسطينيين.
بين الدمار والتشريد، عاشت والدة الطفل إبراهيم سنة ونصف من التنقل بين الأماكن، هربًا من القصف المتواصل. اليوم، تقف إلى جوار سرير ابنها فى مستشفى العريش العام، شاكرةً الأطباء المصريين الذين سارعوا إلى علاجه فور وصوله، تقول بامتنان: "مصر لم تتأخر يومًا عن أشقائها… الأطباء هنا قدموا له الرعاية التى كان يحتاجها، وأتمنى له الشفاء العاجل".
رحلتها لم تكن استثناءً، فقد عاد كثيرون إلى منازلهم فى غزة ليجدوا أنها لم تعد موجودة. ومع ذلك، فإن وجودهم فى مصر، وسط الاهتمام والرعاية، أعاد إليهم بعض الشعور بالأمان.
وروت سيدة فلسطينية أخرى مرافقة لابنتها المريضة معاناتها، قائلة: "خرجنا من غزة ونحن لا نعلم إن كنا سنصل إلى مكان آمن. تنقلنا بين منازل الأقارب والملاجئ، لا طعام ولا ماء ولا دواء. ابنتى تحتاج إلى رعاية طبية عاجلة، وكنا نخشى أن نفقدها. لكن عندما وصلنا إلى مصر، وجدت أطباء بقلوب رحيمة وعناية فائقة، وكأننى بين أهلي".
فور عبورهم إلى الجانب المصري، كان فى استقبال المرضى اللواء خالد مجاور، محافظ شمال سيناء، يرافقه الدكتور أحمد سمير بدر، وكيل وزارة الصحة بالمحافظة. تم استقبال أول دفعة مكونة من 37 مريضًا، رافقهم ذووهم، وسط أجواء إنسانية حملت الدفء والدعم.
تم نقل المرضى إلى مستشفى العريش العام، حيث أجريت لهم الفحوصات الأولية، قبل توزيعهم على المستشفيات المناسبة، مثل مستشفى الشيخ زويد ومستشفى بئر العبد، وفقًا لحالاتهم الصحية. كما قدمت الفرق الطبية خدمات الطوارئ الفورية، فيما رفعت المستشفيات المصرية جاهزيتها لضمان تقديم أفضل رعاية ممكنة.
وتم تشكيل فرق دعم نفسى لمرافقة المرضى وذويهم، خاصة الأطفال الذين تأثروا نفسيًا جراء القصف والخوف من أصوات الانفجارات. وأوضح طبيب خصائى الطب النفسى بمستشفى العريش العام أن الأطفال القادمين من غزة يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وهو ما يستدعى جلسات دعم نفسى مكثفة لإعادة تأهيلهم.
على مدار الساعة، يعمل الأطباء والممرضون فى مستشفيات شمال سيناء، متعاملين مع الحالات الحرجة التى وصلت من غزة.
الدكتور طارق السيد، استشارى الجراحة العامة وأحد أفراد الطاقم الطبي، وصف المهمة بأنها "وطنية وإنسانية وقومية"، مؤكدًا أن الفرق الطبية جاءت من جميع أنحاء الجمهورية لتقديم العون للأشقاء الفلسطينيين.
وأشار إلى أن وزارة الصحة المصرية جهّزت المستشفيات بأحدث المعدات والأدوية، إلى جانب الكوادر الطبية المتخصصة فى مختلف المجالات، لضمان تقديم رعاية متكاملة.
وقال الدكتور طارق السيد: "نحن هنا فى سيناء بمثابة جنود على خط المواجهة الإنسانية. لدينا أطباء فى مختلف التخصصات، ونعمل وفق منظومة طبية دقيقة لاستقبال الحالات الطارئة وتقديم العلاج الفوري. مصر دائمًا كانت الملاذ الآمن لأشقائنا الفلسطينيين، وسنبذل كل جهد لإنقاذ الأرواح".
ولم يقتصر الدعم المصرى على تقديم العلاج، بل امتد ليشمل الجوانب النفسية أيضًا، فى مستشفى العريش العام، حيث استقبلت الفرق الطبية عددًا من الأطفال الفلسطينيين المصابين بالورود والهدايا، فى محاولة لإضفاء بعض الفرح على وجوههم التى أنهكتها المعاناة.
وفى لفتة إنسانية أخرى، حرص اللواء خالد مجاور، على تقديم الدعم العاطفى للمرضى وذويهم، مشددًا على أن مصر لن تدخر جهدًا فى دعم الفلسطينيين، سواء طبيًا أو إنسانيًا أو لوجستيًا.
وقالت ممرضة تعمل فى مستشفى العريش: "نحاول أن نجعل الأطفال يشعرون بالراحة هنا، فهم لا يفهمون ما يحدث حولهم، لكننا نراهم خائفين ومنهكين.. الابتسامة التى نرسمها على وجوههم هى أكبر مكافأة لنا".
محافظ شمال سيناء أكد أن استقبال المرضى الفلسطينيين يأتى تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذى شدد على ضرورة تقديم كل أشكال الدعم الصحى والإنسانى لقطاع غزة.
وأوضح أن المستشفيات المصرية مستعدة لاستقبال المزيد من الحالات، مع استمرار التنسيق بين الجهات المصرية والفلسطينية لضمان وصول المرضى إلى المستشفيات بأمان وسرعة.
من جانبه، أوضح الدكتور أحمد سمير بدر، أن المنظومة الصحية فى شمال سيناء تعمل بأقصى طاقتها، مع تجهيز أقسام الطوارئ، وتوفير مخزون كافٍ من الأدوية، إلى جانب توفير جميع فصائل الدم تحسبًا لأى احتياجات طبية عاجلة.
يأتى فتح معبر رفح البرى ليعيد الأمل لآلاف المرضى الفلسطينيين، بعد إغلاق دام تسعة أشهر، فتح المعبر جاء فى إطار اتفاق وقف إطلاق النار الذى دخل حيز التنفيذ فى 19 يناير الماضي، ليسمح للجرحى والمرضى بعبور الحدود إلى المستشفيات المصرية، حيث يجدون العناية اللازمة وسط ترحيب شعبى ورسمي.
وأوضح مسؤول فى المعبر، أن هناك تنسيقًا مستمرًا بين الجانبين المصرى والفلسطينى لضمان وصول المرضى دون أى تعقيدات، مع توفير سيارات إسعاف مجهزة لنقل الحالات الحرجة مباشرة إلى المستشفيات الكبرى فى المخصصة لهم.
فى خضم المأساة التى تعيشها غزة، تظل مصر الحاضنة الدافئة للأشقاء الفلسطينيين، تمد يد العون دون تردد. وبينما يتلقى المرضى العلاج فى المستشفيات المصرية، يبقى الأمل معلقًا بأن يكون الغد أفضل، وأن تعود الحياة إلى غزة كما كانت، مدينة تنبض بالصمود والحياة.
أحد-الأطفال-المصابين
استقبال-المصابين-بالورود-والهدايا
استقبال-المصابيين-من-غزة-(1)
استقبال-المصابيين-من-غزة-(2)
استقبال-المصابيين-من-غزة-(3)
استقبال-المصابيين-من-غزة-(5)
استقبال-المصابيين-من-غزة-(6)
استقبال-المصابيين-من-غزة-(7)
استقبال-المصابيين-من-غزة-(8)
دخول-سيارات-الإسعاف-المعبر-لنقل-المصابين
دخول-سيارات-الإسعاف-المعبر-لنقل-مصابي-غزة
رجال-الإسعاف-يؤدون-الصلاة-على-المعبر
سيارات-الإسعاف-أمام-معبر-رفح
سيارات-الإسعاف-فور-عودتها
سيارات-الإسعاف-قبل-وصول-المصابين
وصول-سيارات-الإسعاف