مصراوي

2025-02-06 20:45

متابعة
مناورة أم تراجع.. ماذا يعني تضارب تصريحات ترامب وإدارته حول تهجير سكان غزة؟

كتبت- أسماء البتاكوشي:

بعدما صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن رغبته في تهجير سكان قطاع غزة واستيلاء الولايات المتحدة على القطاع الفلسطيني وتحويله إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، توالت الانتقادات والمواقف الرافضة من قبل الدول العربية والغربية، ما دفع مسؤولون في إدارته إلى التراجع عن بعض عناصر الاقتراح، مؤكدين أن إعادة توطين الفلسطينيين ستكون مؤقتة، وأنه لا يوجد التزام باستخدام القوات الأمريكية لتطهير المنطقة.

واقترح ترامب أن "تسيطر" الولايات المتحدة على قطاع غزة ونقل الفلسطينيين وتهجيرهم أثناء إعادة إعماره، ففي حديثه في البيت الأبيض الثلاثاء 4 فبراير إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أصر الرئيس الأمريكي أنه يريد خلق شيء "رائع"، بعد تدمير قطاع غزة الممزق بالحرب إلى حد كبير وسط الصراع بين إسرائيل وحماس.

تراجع البيت الأبيض

بينما حاول ترامب تقديم مقترحه كخطة استراتيجية، جاءت تصريحات البيت الأبيض لاحقًا لتعيد تعريف الفكرة، فبعد أقل من يوم على الضجة التي أحدثها، بدأ البيت الأبيض يتراجع عن بعض خطة "السيطرة" التي أعلنها الرئيس الأمريكي، إذ قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفات، الأربعاء، خلال مؤتمر صحفي، إن ترامب يتوقع فقط من الحلفاء في المنطقة مثل مصر والأردن قبول 2.1 مليون من سكان غزة "مؤقتًا حتى نتمكن من إعادة بناء منازلهم".

وأضافت ليفيت، أن ترامب كان يدعو إلى إعادة توطين "مؤقت" للفلسطينيين، وهو تصريح متناقض مع خطة ترامب التي شملت "إعادة توطين السكان بشكل دائم" في منطقة مختلفة، موضحة أنه كان يدرس الخطة لبعض الوقت، لكنها لم تُكتب قبل المؤتمر الصحفي مع نتنياهو.

كما ردد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، هذا التحول، موضحًا أن فكرة ترامب تتضمن فترة "مؤقتة" لنقل الفلسطينيين خارج القطاع بينما تعمل الولايات المتحدة على إزالة الأنقاض وإعادة بناء البنية التحتية الأساسية، لافتًا إلى أن "الفكرة لم تكن عدائية، والولايات المتحدة تسعى فقط إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة مؤقتًا".

مقترحات متطرفة أم تكتيكات تفاوض

وترى إيرينا تسوكرمان، المحللة الجيوسياسية ومحامي الأمن القومي الأمريكي، أن التصريحات المتضاربة التي أطلقها ترامب وإدارته حول غزة تكشف انعدام التوافق داخل إدارته، فبرغم اقتراحه، فإن ردة فعل المجتمع الدولي، خاصة من الدول العربية والغربية، تشير إلى تعقيدات الموضوع، إلى جانب التحديات الكبيرة المتعلقة بالقانون الدولي والديناميكيات الإقليمية، فضلًا عن المخاوف الإنسانية التي تحيط بالقضية.

وتقول محامي الأمن القومي الأمريكي خلال حديثها لـ"مصراوي"، إن هناك جوانب إضافية تتعلق بهذا الاقتراح الذي قد يكون جزءًا من استراتيجية سياسية تهدف إلى تحويل الأنظار عن قضايا داخلية أكثر أهمية، ففي حين أن ترامب يواجه قضايا مهمة داخل الولايات المتحدة، مثل الجدل حول تجميد مساعدات وكالة التنمية الأمريكية (USAID) وإعادة هيكلة أجهزة الاستخبارات، فإن تصريحاته حول غزة قد تكون قد اُستخدمت كوسيلة لتشتيت الانتباه عن هذه القضايا.

فيما يرى منتقدو ترامب أن مقترحاته تندرج ضمن نمط أوسع من الإعلانات المتطرفة أو الاستفزازية في السياسة الخارجية، والتي غالبا ما يتم التراجع عنها أو تركها دون تنفيذ، فطوال فترة ولايته الأولى، أدلى بتصريحات جريئة - مثل التهديدات بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي أو فرض رسوم جمركية على الحلفاء الرئيسيين - والتي تم التقليل من أهميتها لاحقًا أو تعديلها كجزء من استراتيجيته التفاوضية المفترضة، قد يكون اقتراحه بشأن غزة مناورة أخرى من هذا القبيل.

"ترامب لم يظهر نية حقيقية للتعامل مع قضية غزة، ولم يسعَ لإيجاد حلول مستدامة، وفق ما قالته محامي الأمن القومي الأمريكي، مشيرة إلى أنه من خلال تصريحاته، لم يظهر اهتمامًا بمسألة استقرار القطاع أو بإيجاد حلول دائمة، وفي النهاية، يبدو أنه كان أكثر اهتمامًا بالشهرة والإثارة الإعلامية حول القضية أكثر من اهتمامه بإيجاد حلول جادة قابلة للتنفيذ على الأرض.

وعند سؤالها عما إذا كان التضارب بين التصريحات مناورة سياسية أم تراجع بسبب الغضب العربي والدولي، قالت "مزيج من كليهما"، موضحة مناورة سياسية كان لا بد من تعديلها بسرعة بسبب الغضب، فقد كان اقتراحه خطوة استراتيجية جريئة تهدف إلى تغيير الحديث حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومع ذلك، فإن رد الفعل العنيف من الدول العربية والمنظمات الإنسانية والحلفاء الدوليين أجبر البيت الأبيض على التراجع عن الاقتراح.

الإيضاحات اللاحقة للإدارة ورفض خطط للسيطرة الأمريكية الدائمة، تشير إلى محاولة لحفظ ماء الوجه بدلًا من التراجع الكامل، من خلال تخفيف الموقف، ربما يحاولون الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية، لذلك، في حين أن البيان الأولي ربما كان مسرحية سياسية متعمدة، فإن التراجع السريع للإدارة يشير إلى أن رد الفعل العنيف كان أقوى من المتوقع، ما أجبرهم على إعادة النظر، وفقًا لتوسكرمان.

تباين ردود فعل الجمهوريين

علاوة على ذلك يواجه ترامب تحديات بشأن قضية غزة داخل الحزب الجمهوري، إذا أثارت خطته نقاشًا داخليًا حادًا، حيث وصف السيناتور عن ولاية ساوث كارولينا ليندسي جراهام، وهو حليف مقرب لترامب، الاقتراح بـ "المشكلة"، معربًا عن شكوكه حول مدى استعداد الجمهور الأمريكي لإرسال القوات إلى غزة للمساعدة في تنفيذ الخطة.

وأشاد رئيس مجلس النواب مايك جونسون بنهج ترامب باعتباره حلًا محتملًا لتحقيق "سلام دائم" في غزة، في حين رفض السيناتور راند بول الفكرة باعتبارها تدخلًا مكلفًا وخطيرًا، محذرًا أنه "ليس من حق الولايات المتحدة أن تفكر في احتلال آخر".

وفي الحزب الديمقراطي تقدم النائب الديمقراطي من تكساس آل جرين، بمشروع مسائلة لعزل ترامب، متهمًا إياه بـ"التطهير العرقي في غزة"، واصفًا تصريحاته بشأن غزة بأنها "شنيعة"، إذ قال "في رسالة إلى من يهمه الأمر، التطهير العرقي في غزة ليس مزحة، خصوصا عندما تصدر عن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أقوى شخص في العالم، عندما تكون لديه القدرة على أن يحسّن تماما ما يقوله"، وفقًا لفضائية سكاي نيوز البريطانية.

وكان عضو مجلس النواب الديمقراطي جيك أوشينكلوس قال لقناة نيوز نيشن التلفزيونية إن الاقتراح "متهور وغير معقول"، مضيفا أنه قد يفسد المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، مضيفًا "يتعين علينا أن ننظر إلى دوافع ترامب، وكما هو الحال دائما، عندما يقترح بندًا سياسيًا، فهناك صلة بالمحسوبية وخدمة الذات".

ولا تزال الإدانات العربية والدولية تتزايد، فيما تواجه الإدارة عقبات كبيرة في تأمين أي دعم لخطتها، فعلى الرغم من تأكيد الاتحاد الأوروبي وحلفائه الرئيسيين مثل المملكة المتحدة وألمانيا على التزامهم بحل الدولتين، فإن اقتراح ترامب يهدد بعزل الولايات المتحدة بشكل أكبر على الساحة العالمية.

نجاح أمريكا في تهجير الغزاويين

وعن فرضية نجاح الولايات المتحدة في تهجير سكان غزة، ترى محامي الأمن القومي الأمريكي، "غير مرجح أن تنجح واشنطن في إجلائهم، بسبب المعارضة الدولية القوية، فقد رفض اللاعبون الإقليميون الرئيسيون مصر والأردن أي تهجير قسري للفلسطينيين، الحواجز القانونية والإنسانية والتي تتضمنالتهجير القسري للمدنيين وهو ما ينتهك القانون الدولي، إضافة إلى أن شعب غزة يرفض أي محاولات لإخراجه من أرضه.

ولفتت إلى أن النتيجة الأكثر واقعية هي أن واشنطن قد تضغط من أجل عمليات نقل مؤقتة تحت ستار المساعدات الإنسانية أو إعادة الإعمار، لكن الإخلاء على نطاق واسع يكاد يكون مستحيلًا دون مقاومة ساحقة من جبهات متعددة، والأهم من ذلك، أن ترامب ليس لديه مصلحة في مثل هذه الخطة لأنه لا يريد دفع ثمنها أو التعامل مع دعاية سيئة، فهو مهتم بتأمين إرثه كـ"صانع سلام" ولكن أيضًا كمفكر غير تقليدي.

وتؤكد محامي الأمن القومي الأمريكي، أن ترامب خلق حالة من الفوضى عمدًا، بهدف التراجع في النهاية استنادًا إلى استراتيجياته المعروفة، والتي تقتضي الموافقة على مقترحات معقولة ومحدودة، بعد إثارة الجدل حول مقترحاته المثيرة للجدل، مضيفة أن ما قد يبدو كمسرحية، في جوهره هو محاولة لإجبار الدول العربية على تقديم عروض لا يمكن رفضها.

للإطلاع على النص الأصلي
36
0
مشاركة
حفظ

آخر الأخبار

أحدث الأخبار

    أحدث الفيديوهات