كتب- نشأت علي:
أصدر مجلس النواب بيانًا يوضح حقيقة ما تم تداوله بشكل مغلوط حول المادة ٣٦٨ من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الخاصة بتصرف المحكوم عليه غيابيًّا في أمواله وإدارتها.
وأكد المجلس أنه خلال الجلسة المعقودة اليوم ١١ فبراير، أشار وزير العدل إلى ما تم تداوله في بعض المواقع الإلكترونية، بشكل مغلوط، حول المادة ٣٦٨ من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، حيث أكد وزير العدل أن حدود ونطاق تطبيق هذه المادة إنما يتعلق بالأحكام الغيابية الصادرة في جناية من محاكم الجنايات، وبالتالي لا وجه للقول باستصحاب أحكام هذه المادة على الأحكام الغيابية الصادرة في الجنح.
وأشار وزير العدل إلى أن مشروع القانون أقام موازنة دقيقة بين تنفيذ حق المجتمع في العقاب وبين كفالة حقوق الدفاع؛ فلا يُغلب مصلحة طرف من أطراف الدعوى الجنائية على الآخر، لذا فإن جميع الإجراءات التي رتبتها هذه المادة من (حرمان المتهم من التصرف في أمواله أو إدارتها أو رفع دعوى باسمه) إنما هي مجرد إجراءات تهديدية لحمل المتهم في جناية على المثول أمام المحكمة؛ لتحقيق دفاعه في محاكمة عادلة ومنصفة، وأن هذه الإجراءات تسقط جميعها بمجرد القبض عليه أو حضوره وطلب إعادة محاكمته، حيث تُعاد محاكمته بوصفها محاكمة مبتدأة وكأنه لم يسبق الفصل فيها بحكم قضائي، مضيفًا أنه لا توجد شبهة عدم دستورية في هذه المادة؛ لأنها متفقة مع ما تضمنته المادة ٣٥ من الدستور بناءً على قانون وبحكم قضائي، فالحكم الغيابي الصادر في جناية وإن صدر في غيبة المتهم، إلا أنه يظل حكمًا قضائيًّا إلى أن تتم إعادة الإجراءات، وبالتالي يحدث أثره في الحرمان من التصرف في الأموال أو إدارتها دون محاجة بالاعتداء على الملكية الخاصة، موضحًا أن حكم هذه المادة يأتي في الأساس متوافقًا مع القواعد العامة بقانون العقوبات في ضوء ما تضمنته المادة (٢٥) من قانون العقوبات، والتي قضت بأن كل حكم بعقوبة جناية يستلزم حتمًا حرمان المحكوم عليه من إدارة أشغاله الخاصة بأمواله وأملاكه، ولم يقم قانون العقوبات تمييزًا بين ما إذا كان الحكم غيابيًّا من عدمه.
ووجَّه المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس المجلس، الشكر إلى وزير العدل على هذا التوضيح للغلط الذي حدث حول المادة (٣٦٨)، مؤكدًا أن ما نُشر في بعض المواقع الإلكترونية بشأن هذه المادة كان مجتزأ ومغايرًا للحقيقة تمامًا، مشيرًا إلى أن هذه المادة غير مستحدثة وإنما موجودة في القانون الحالي منذ عام ١٩٥٠ وأن اللجنة المشتركة -وهو ما لم ينشر- أضافت عبارة تُعد تزيُّداً محموداً وهي عبارة (مع عدم الإخلال بحقوق حسني النية من الغير) لتأكيد حماية كل التصرفات أو الالتزامات التي أبرمت من حسني النية من أن يشوبها أي بطلان، وهو ما كان يستدعي تسليط الضوء عليه للوقوف على حقيقة الضمانات المستحدثة بموجب أحكام مشروع القانون، وأن يقرأ هذا النص في ضوء الفلسفة الجديدة المتكاملة للأحكام الغيابية والتي تغيرت كثيراً عن الوضع القائم بما يحقق التوازن بين حقوق الدفاع والمتهمين من ناحية والعدالة الناجزة من ناحية أخرى، مؤكداً أن نصوص المشروع يتعين أن تقرأ وحدة واحدة ولا نجتزئ من بين نصوصه.
وأكد رئيس المجلس أن المادة ٣٦٨ تتفق مع المادة ٣٥ من الدستور، وأنه لا منع من التصرف في الأموال أو إدارتها إلا بناء على حكم قضائي، والحكم القضائي الغيابي ولئن كان وقتيًّا فإنه حكم مكتمل الأركان. كما أنه وحتى في مجال الحفاظ على حقوق المتهم المالية؛ حيث وفي ضوء القراءة المتكاملة نجد أن المادة (٣٧٣) من المشروع رتبت عوضًا عن سقوط كل الإجراءات بمجرد إعادة المحاكمة برد المبالغ المتحصلة من المحكوم عليه كلها أو بعضها إذا كان الحكم الغيابي الصادر بالتعويضات قد نُفذ، فإذا ما توفي مَن حكم عليه في غيبته يُعاد الحكم بالتعويضات في مواجهة الورثة، بما يمكنهم من الدفاع عن حقوقهم، وكلها ضمانات وحقوق تضمنها مشروع القانون.
وأشاد رئيس مجلس النواب بحرص وزير العدل على حضور جميع جلسات مناقشة مشروع القانون ومداخلاته القيّمة والمهمة، الهادفة إلى تحقيق المرونة والعدالة الناجزة لصالح جميع أطراف المنظومة من قضاة ومحامين ومتهمين وغيرهم، كما توجه بالشكر إلى وزير الشؤون النيابية على مداخلاته القيّمة، وللنائب إبراهيم الهنيدي رئيس اللجنة المشتركة، وأعضاء اللجنة، ورئيس وأعضاء اللجنة الفرعية التي أعدت المشروع، وأعضاء المجلس؛ على المجهود غير العادي في مناقشة هذا المشروع المهم.