أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلًا جديدًا حول «سلاسل القيمة للمعادن الحرجة»، حيث أشار التحليل إلى أن التحولات الاقتصادية والتكنولوجية السريعة جعلت المعادن الحرجة عنصرًا لا غنى عنه فى دعم البنية التحتية للتكنولوجيا المتقدمة والطاقة النظيفة، وتشمل المعادن الحرجة (الليثيوم والكوبالت والنيكل والعناصر الأرضية النادرة)، وتُشكل أساسًا لتقنيات حديثة تلبى احتياجات التحول العالمى نحو خفض الانبعاثات الكربونية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأوضح التحليل أن تسارع الجهود الدولية لتحقيق الانتقال إلى أنظمة طاقة مستدامة قد أسهم فى تسليط الضوء على دور المعادن الحرجة، ليس فقط فى تحسين أداء البطاريات وتطوير المركبات الكهربائية، ولكن أيضًا فى تشغيل شبكات الكهرباء وتعزيز كفاءة تقنيات الطاقة المتجددة، مثل: الرياح والشمس، ومع تزايد الاعتماد على هذه التقنيات، بات الطلب على هذه المعادن ينمو بوتيرة غير مسبوقة، وهو ما يعكس تحولًا نوعيًّا فى هيكل الطلب العالمى على الموارد الطبيعية.
المعادن الحرجة أصبحت أساسية فى دعم البنية التحتية للتكنولوجيا المتقدمة
أشار التحليل إلى أن المعادن الحرجة تُعد من العناصر الأساسية فى تطوير تقنيات الطاقة النظيفة؛ حيث تُستخدم معادن، مثل: الليثيوم والنيكل والكوبالت والمنجنيز والجرافيت فى تحسين أداء البطاريات، وزيادة عمرها وكثافة طاقتها، ما يجعلها حجر الزاوية فى تشغيل السيارات الكهربائية، وتخزين الطاقة المتجددة. كما تُعد العناصر الأرضية النادرة، مثل: النيوديميوم عنصرًا أساسيًّا فى صناعة المغناطيسات الدائمة المستخدمة فى توربينات الرياح، ومحركات السيارات الكهربائية، كما تعتمد شبكات الكهرباء على النحاس والألومنيوم؛ حيث يؤدى النحاس دورًا محوريًّا فى التقنيات المتعلقة بالكهرباء جميعًا.
كما تستخدم معادن، مثل: الغاليوم والجرمانيوم بشكل أساسى فى تصنيع أشباه الموصلات المتقدمة والخلايا الشمسية وتكنولوجيا الأشعة تحت الحمراء، ويدخل الأنتيمون فى تصنيع الذخائر والأسلحة، بينما يُعد الجرافيت مكونًا رئيسًا فى بطاريات السيارات الكهربائية. هذه الصناعات تُعد أساسية فى التحولات التكنولوجية الحالية؛ مما يُبرز أهمية هذه المواد فى الاقتصاد العالمى.
واستعرض التحليل أهم القطاعات الدافعة إلى الطلب على المعادن الحرجة، وهى: قطاع الطاقة المتجددة: حيث أشار مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار إلى أن الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية تلعب دورًا محوريًّا فى زيادة الطلب على المعادن الحرجة؛ فتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح يتطلب كميات من المعادن تفوق تلك المستخدمة فى تكنولوجيا الوقود الأحفورى، إذ يتطلب إنتاج تيراوات ساعة من الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية ٢٠٠٪، و٣٠٠٪ من المعادن مقارنة بمحطات الغاز الطبيعى. ومع التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة ازدادت كمية المعادن المستخدمة بنسبة ٥٠٪ لكل وحدة طاقة منتجة.
قطاع النقل البرى: أشار التحليل إلى أن المركبات الكهربائية تستهلك كميات كبيرة من المعادن الحرجة، سواء كانت تعمل هذه المركبات بخلايا الوقود أو البطاريات، حيث يتطلب إنتاجها مواد أكثر مقارنة بالمركبات ذات محركات الاحتراق الداخلىInternal combustion Engines، التى تعتمد على تقنية يعود تاريخها إلى أكثر من قرن.
أسامة الجوهرى
وأضاف التحليل أنه مع التوجه العالمى نحو الحد من تغير المناخ، يُتوقع أن يرتفع الطلب على المعادن المستخدمة فى قطاع المركبات الكهربائية والبطاريات بما يزيد على ٣٠ ضعفًا بحلول عام ٢٠٤٠، ومن المتوقع أن يتضاعف الطلب على الليثيوم بأكثر من ٤٠ مرة، بينما سيزداد الطلب على الجرافيت والكوبالت والنيكل بمعدلات تتراوح بين ٢٠ و٢٥ ضعفًا. ومع تزايد الاعتماد على الكهرباء لتشغيل المركبات سيزداد الطلب على النحاس بشكل ملحوظ. وفى الوقت نفسه، سيؤدى الانتشار المتزايد للمركبات الكهربائية إلى زيادة الضغط على مصادر الطاقة المتجددة؛ مما يعزز استخدام المعادن الحرجة فى هذا القطاع أيضًا.
أفاد التحليل بأن أسواق المعادن الحرجة شهدت تقلبات حادة فى الأسعار فى عام ٢٠٢٣، حيث انخفضت أسعار العديد من المعادن المستخدمة فى بطاريات الطاقة النظيفة بشكل كبير، وهبطت أسعار الليثيوم بنسبة ٧٥٪، بينما تراجعت أسعار الكوبالت والنيكل والجرافيت بنسبة تراوحت بين ٣٠٪ و٤٥٪. وقد تزامن هذا الانخفاض فى الأسعار مع زيادة كبيرة فى العرض والمخزونات، حيث تجاوز العرض الطلب المتنامى فى العديد من المناطق، مثل: إفريقيا وإندونيسيا والصين.
ومع ذلك، حافظ النحاس على مستوياته المرتفعة نسبيًّا، ولايزال الطلب على المعادن الأساسية للطاقة النظيفة يشهد نموًّا قويًّا، فقد ارتفع الطلب على الليثيوم بنسبة ٣٠٪ فى عام ٢٠٢٣، بينما سجلت معادن أخرى، مثل: النيكل، الكوبالت، والجرافيت زيادات تتراوح بين ٨٪ و١٥٪. وتعد السيارات الكهربائية أحد المحركات الرئيسة لهذا الطلب، حيث عززت مكانتها كأكبر مستهلك لليثيوم وزادت حصتها فى الطلب على النيكل والكوبالت.
وأشار التحليل إلى أن إعادة التدوير والابتكار فى تقنيات التعدين يُعدان حلًّا واعدًا لتخفيف الضغط على الإمدادات؛ حيث يمكن أن تقلل جهود إعادة التدوير من الطلب على المعادن الحرجة بنسبة تصل إلى ٢٥٪ بحلول عام ٢٠٣٠، كما يمكن أن تخفِّض الكميات المعاد تدويرها من النحاس والكوبالت متطلبات الإمداد الأولية بنسبة ٣٠٪، المطلوبة بحلول ٢٠٤٠؛ مما يُبرز أهمية تحسين معدلات جمع المواد وإعادة معالجتها.
وأكد التحليل أنه رغم تقلبات السوق الحالية، تُشير التوقعات إلى استمرار نمو الطلب على المعادن الحرجة بفضل توسع مشروعات الطاقة النظيفة، وزيادة مبيعات السيارات الكهربائية، ومن المتوقع أن تتضاعف القيمة السوقية للمعادن الحرجة المرتبطة بعملية التحول من الاعتماد على الوقود الأحفورى إلى الطاقة المتجددة، إلى ٧٧٠ مليار دولار بحلول عام ٢٠٤٠، مع توقعات بأن يصل الطلب على الليثيوم إلى تسعة أضعاف مستواه الحالى، ويرتبط ذلك بشكل وثيق بتطورات صناعة السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، وهو ما يجعل تأمين الإمدادات لهذه المعادن من أهم القضايا الاقتصادية الاستراتيجية.
وأوضح التحليل أن الصين تُهيمن على إنتاج العديد من المعادن الحرجة؛ حيث تُسهم بأكبر حصة إنتاجية عالميًّا فى معادن أساسية، مثل: الجاليوم (٩٨٪)، السيليكون (٧٨.٩٪)، والمغنيسيوم (٨٨.٣٪)، إضافة إلى الريادة فى إنتاج المعادن الأرضية النادرة والجرانيت، ويوضح ذلك اعتماد السوق العالمية على الإمدادات الصينية بشكل كبير.
ولفت التحليل إلى أن إفريقيا تمتلك احتياطات ضخمة من المعادن الحيوية التى تعد أساسية للتحول نحو اقتصاد منخفض الكربون، مثل: الكوبالت والمنجنيز والجرافيت، حيث تستحوذ على نحو ٤٨٪ من الاحتياطى العالمى من الكوبالت والمنجنيز، و٢٢٪ من الجرافيت، فى حين أن مساهمتها فى إنتاج الليثيوم والحديد محدودة للغاية (١٪ فقط من الاحتياطى العالمى لكل منهما).
ومع ذلك، تُعانى القارة ضعف الاستفادة الاقتصادية؛ بسبب الاعتماد الكبير على تصدير المواد الخام بدلًا من تطوير صناعات محلية ذات قيمة مضافة، مثل: تصنيع البطاريات والمكونات الإلكترونية. وتحقق القارة ٤٠٪ فقط من الإيرادات التى من الممكن أن تجمعها من المعادن الحرجة؛ مما يعكس عدم توازن فى سلسلة القيمة العالمية، حيث تستفيد الدول المتقدمة بشكل أكبر من هذه الموارد، ويعكس هذا الوضع قصورًا فى استغلال الثروات؛ بسبب ضعف البنية التحتية الصناعية، وغياب التكنولوجيا المتقدمة، وضعف الاستثمارات المحلية والأجنبية، ويحد هذا القصور من قدرة القارة على الاستفادة الكاملة من الفرص التى يوفرها الطلب العالمى المتزايد على المعادن الحرجة فى الصناعات التكنولوجية والطاقة النظيفة.
وأضاف التحليل أنه مع تحول العالم نحو الطاقة النظيفة، وزيادة الطلب على المعادن، مثل: الجرافيت المستخدم فى بطاريات السيارات الكهربائية، فإن عدم تطوير الصناعات المعتمدة على هذه المعادن يُفوِّت فرصة تعزيز دول قارة إفريقيا اقتصاداتها وتحقيق التنمية المستدامة، وهناك حاجة ملحة إلى تعزيز البنية التحتية الصناعية، وجذب الاستثمارات، وتطوير شراكات استراتيجية تمكنها من الانتقال من مرحلة تصدير المواد الخام إلى تطوير سلاسل القيمة المضافة.
وأوضح التحليل قيام الصين بإعادة تشكيل خريطة تصدير المعادن الحرجة، مضيفًا أنه فى تصعيد جديد للصراع التجارى بين الصين والولايات المتحدة أعلنت بكين حظر تصدير مجموعة من المعادن الحيوية التى تُستخدم بشكل أساسى فى صناعة التكنولوجيا وأشباه الموصلات، مثل: الغاليوم، الجرمانيوم، والأنتيمون، إضافة إلى فرض قيود مشددة على تصدير الجرافيت، جاءت هذه الخطوة بعد يوم واحد فقط من إعلان واشنطن قيودًا جديدة تستهدف ١٤٠ شركة صينية تعمل فى قطاع تصنيع الرقائق المتقدمة.
ولأن الصين تُعد المُنتج الأكبر عالميًّا لهذه المعادن، فإن هذه السيطرة تمنحها نفوذًا كبيرًا فى السوق العالمية، وتتسبب القيود التى تفرضها فى تأثيرات فورية على سلاسل التوريد، فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار ثالث أكسيد الأنتيمون فى أوروبا بنسبة ٢٢٨٪ منذ بداية ٢٠٢٤، لتصل إلى ٣٩ ألف دولار للطن المترى، وتظهر هذه الارتفاعات هشاشة اعتماد الأسواق العالمية على الصين، وتبرر الصين ذلك بمخاوف تتعلق بـ«الأمن القومى»، وحماية المصالح الوطنية.
أشار التحليل إلى أن قرار حظر الصين تصدير المعادن الحرجة أثار مخاوف من اضطرابات جديدة فى سلاسل التوريد العالمية، حيث تُعد الولايات المتحدة إحدى أكبر الأسواق المستهلكة لهذه المعادن، ولم تُسجل الجمارك الصينية أية صادرات من الغاليوم أو الجرمانيوم المكرر إلى الولايات المتحدة حتى أكتوبر ٢٠٢٤، كما انخفضت شحنات الأنتيمون من الصين بنسبة ٩٧٪ خلال أكتوبر ٢٠٢٤؛ ما يعكس تأثير القيود المفروضة.
أكد التحليل أن القيود الجديدة التى فرضتها الصين تُعد تحذيرًا عالميًّا حول أهمية تنويع سلاسل التوريد وتقليل الاعتماد على الموردين الصينيين، حيث قد تشمل التداعيات طويلة الأجل زيادة الضغوط التضخمية العالمية، وتباطؤ الإنتاج فى القطاعات التكنولوجية، وبالفعل، أُثيرت دعوات إلى تعزيز إنتاج المعادن محليًّا، وتقليل الاعتماد على الصين، فعلى سبيل المثال، تعمل الولايات المتحدة على تطوير مناجم الأنتيمون فى ولاية أيداهو بدعم حكومى، بينما يؤكد الخبراء أن تطوير البدائل المحلية يحتاج إلى سنوات.
فى سياق آخر، دعت الجمعيات الصناعية الصينية الشركات المحلية إلى زيادة اعتمادها على الرقائق المصنعة محليًّا، وتعزيز التعاون مع شركاء دوليين، وتبرز هذه التحركات استراتيجية الصين طويلة الأمد إلى تقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية، وتوسيع نفوذها فى السوق العالمية، ويصف الخبراء هذه الخطوة بأنها تصعيد خطير فى «حرب تجارية بلا رابحين»؛ حيث أكدوا أن القيود المتبادلة قد تُعمق التوترات الجيوسياسية، وتُضعف التعاون العالمى فى القطاعات التكنولوجية، ومع ذلك تُظهر هذه الأزمة مدى أهمية المعادن الحرجة فى تحديد موازين القوى الاقتصادية؛ مما يضع سلاسل التوريد العالمية تحت تهديد مستمر.
وأشار التحليل إلى عدد من الرؤى والتوصيات لأجل مستقبل مستدام للمعادن الحرجة، منها: الاستثمار بشكل كبير فى البنية التحتية الصناعية، والتركيز على تطوير تقنيات التصنيع المحلى التى تضيف قيمة إلى المعادن المستخرجة، مشيرًا إلى أنه يمكن لمصر تطوير صناعات محلية لمعالجة المعادن، مثل: النيكل والكوبالت لتعزيز الإيرادات، كما فعلت جمهورية الكونغو الديمقراطية فى سبيل تحقيق الاستفادة القصوى من المعادن الحيوية.
بالإضافة إلى استحداث نظام تجارى عالمى أكثر انفتاحًا وإنصافًا لتحقيق العدالة فى سلاسل القيمة العالمية خاصة فى ظل الاتجاهات الحمائية السائدة، وتحديث الاتفاقيات التجارية لتوفير فرص أكبر للمشاركة فى الصناعات الخضراء العالمية، مثل: السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، ومن خلال تحسين المناخ التجارى، يمكن لمصر أن تصبح مركزًا إقليميًّا لصناعة المعادن ذات القيمة المضافة.
كذلك التحول نحو الاقتصاد الدائرى، وهو نهج يتيح استخدام الطاقة المتجددة، ويمكن لمصر إعادة تدوير المعادن والنفايات الإلكترونية بإطلاق مشروعات متخصصة فى هذه المجالات.
وأيضًا دعم الابتكار فى تقنيات التعدين النظيفة والمتقدمة، مثل: تطوير تقنيات لاستخراج المعادن بأسلوب يتوافق مع المعايير البيئية وزيادة كفاءة إعادة تدوير المعادن المهمة، مثل: الليثيوم والكوبالت؛ لتلبية الطلب العالمى المتزايد مع الحفاظ على الموارد الطبيعية.
بالإضافة إلى تعزيز البيئة التشريعية الداعمة للاستثمارات فى قطاعى التعدين والطاقة المتجددة فى مصر، مع تقديم حوافز حكومية فعّالة لتحفيز الشركات المحلية والدولية على الاستثمار فى مشروعات التعدين المستدامة، واعتماد أحدث تقنيات التكنولوجيا المتطورة.
وتكثيف الجهود للاستثمار فى تدريب العمالة المتخصصة فى الصناعات المستدامة المصرية، مع تطوير برامج تعليمية متقدمة تركز على مفاهيم الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة، بهدف إعداد جيل جديد من الكفاءات والخبراء يكون قادرًا على قيادة هذه القطاعات الحيوية فى المستقبل.