تقرير ـ محمود عجمي:
تعد منطقة "كوم دارا" الأثرية، الواقعة على بعد 15 كيلومترًا شمال غرب مدينة منفلوط بمحافظة أسيوط، واحدة من أهم المواقع الأثرية التي تحمل في طياتها أسرارًا تاريخية تعود إلى نهاية عصر الدولة القديمة وبداية عصر الانتقال الأول (حوالي 2300-2150 قبل الميلاد).
تقع المنطقة على الجانب الغربي من نهر النيل، غرب الكتلة السكنية لقرية "عرب العمائم"، وتتميز بوجود مجموعة من التلال الأثرية المشيدة من الطوب اللبن، والتي تمتد من الشمال إلى الجنوب.
وقال راغب عبدالحميد خلف الله، كبير اخصائيين بدرجة مدير عام بالمجلس الأعلى للآثار سابقًا، في تصريحات خاصة لـ"مصراوي" فإن المنطقة تحوي مصاطب جنائزية لبعض الأمراء الذين عاشوا خلال فترة مضطربة من تاريخ مصر القديمة، تميزت بانهيار الحكومة المركزية بعد سقوط الأسرة السادسة.
ومن بين هؤلاء الأمراء، برز اسم "خوي"، الذي اتخذ ألقابًا ملكية خلال عصر الانتقال الأول، رغم عدم وجود أدلة قاطعة على حكمه سوى أجزاء محدودة من الإقليم.
درب بلاط
إلى الغرب من المنطقة الأثرية، يبدأ "درب بلاط"، أحد الدروب الصحراوية القديمة التي كانت تربط وادي النيل بواحة الداخلة، وتشير الحفائر الحديثة التي أجراها المعهد الفرنسي للآثار الشرقية إلى أن هذا الدرب كان مستخدمًا منذ نهاية الأسرة السادسة، حيث استغله المصريون القدماء لأغراض الاستيطان والتحكم في الطرق التجارية التي تربط شمال الصحراء الغربية بجنوبها، بالإضافة إلى نقل المحاصيل الزراعية من الواحات.
تاريخ غامض
تعود أبرز الاكتشافات الأثرية في المنطقة إلى عام 1911، عندما قام الأثري أحمد باشا كمال بأعمال حفائر كشفت عن مصطبة ملكية تُنسب إلى الملك "خوي"، الذي يُعتقد أنه من ملوك الأسرة الثامنة. وقد عُثر على لوحة حجرية معاد استخدامها في مصطبة أخرى جنوب الموقع، تحمل اسم "خوي" داخل خرطوش ملكي، مما يشير إلى وجود معبد جنائزي خاص به شرق مصطبته.
ووصف الدكتور أحمد فخري، في كتابه عن الأهرامات المصرية، هذه المصطبة بأنها هرم مشيد من الطوب اللبن، حيث يبلغ طول ضلع قاعدته 130 مترًا وارتفاعه حوالي 14 مترًا. ويضم الهرم ممرًا هابطًا يؤدي إلى حجرة دفن مشيدة من الحجر، إلا أن عوامل التعرية أدت إلى تهدم أجزاء كبيرة منه وتراكم الأتربة والرديم داخل الممرات ولهذا سميت باسم كوم دارا.
حفائر المعهد الفرنسي
في سبعينيات القرن الماضي، أجرى المعهد الفرنسي للآثار الشرقية حفائر في المنطقة، أكدت وجود جبانة ملكية تعود إلى عصر الانتقال الأول.
وأشار الدكتور نيقولا جريمان، المدير السابق للمعهد، في كتاباته إلى وجود هرم للملك "خوي" بالمنطقة، مؤكدًا أن المزيد من الحفائر قد تكشف عن تفاصيل مهمة حول تاريخ مصر خلال هذه الفترة الغامضة.
ضرورة استئناف الحفائر العلمية
وقال راغب عبدالحميد خلف الله، كبير اخصائيين بدرجة مدير عام بالمجلس الأعلى للآثار سابقًا، إنه رغم الأهمية التاريخية الكبيرة لمنطقة كوم دارا، إلا أن أعمال الحفائر توقفت منذ أكثر من عقدين، مما أدى إلى بقاء الكثير من أسرارها مدفونة تحت الرمال، وتشير الأدلة الأثرية إلى وجود صلات قوية بين حكام المنطقة وحكام بلاط بالواحات الداخلة، حيث يظهر تشابه في النمط المعماري للمصاطب الجنائزية بين المنطقتين، مما يدل على وجود علاقات تجارية وسياسية وثيقة.
مستقبل المنطقة الأثرية
وأضاف راغب، أن منطقة كوم دارا تحتاج إلى إجراء حفائر علمية منتظمة لاستكمال الكشف عن باقي اسرار هرم الملك "خوي" والكشف عن المزيد من المصاطب الجنائزية، مشيرًا إلى أن آخر أعمال بالمنطقة كانت في عام 2019 بناء على موافقة وزير السياحة والآثار آنذاك وأمين عام المجلس الأعلى للآثار للدكتور علاء حسين محمود، والذي يشغل حاليًا منصب مدير عام متحف الأقصر بعمل مسح أثري للمنطقة مما قد يلقي الضوء على تاريخ المنطقة خلال عصر الانتقال الأول، الذي لا تزال معلوماتنا عنه محدودة؛ موضحا أنه يجب وضع المنطقة ضمن خطط الحفائر العلمية بوزارة الآثار، وعلى خريطة السياحة الأثرية في مصر.