حالة من الفوضى ومؤشرات حرب أهلية تحدث في الساحل السوري باللاذقية وطرطوس وحماة وحمص، نتج عنها وفاة ألف قتيل نتيجة هذه الأحداث الدموية، حتى قيل إن دم العلويين أصبح مستباحًا كالكفار.
وهناك أخبار عن حالات إعدام تتم بشكل عشوائي، تحركها النعرات الطائفية، حتى وصل الأمر إلى دعوة مجلس الأمن من خلال روسيا وأمريكا لجلسة طارئة لمناقشة ما يجرى ويحدث في سوريا، واتهام فلول النظام السابق- بدعم من دول إقليمية- بمحاولة إحداث فوضى في البلاد وقيام حكومة الشرع باستخدام كل الطرق المشروعة وغير المشروعة لوأد الفتنة الداخلية، بينما أصابع الاتهام تشير إلى إسرائيل وإيران.
وهذا يجعلنا نحذر من أن أورقة الأقليات والطوائف السورية أصبحت في مرمى الحكومة رغم تشكيل لجنة تقصى حقائق، وعدم تفعيل قانون العدالة الانتقالية والمواطنة بين المواطنين، خاصة أن الشعب السوري متنوع ومتعدد الأيديولوجيات، وهذا ما كنا نحذر منه بأن سوريا بمكوناتها من علويين ودروز ومسيحيين تحتاج إلى الشفافية والوضوح من الحكومة السورية ووضع خارطة طريق جديدة للحفاظ على الهوية والتراب السوري، خاصة مع تحرك تنظيم داعش المريب على حدود سوريا والعراق.
لقد حذرت مصر وتحفظت منذ البداية، ودعت لضرورة التعامل مع كل المكونات السورية بلا تمييز؛ حتى لا تكون سوريا ساحة لتصفية الحسابات بين تركيا وإيران على حساب تركيبة الشعب السوري، ولكن أحداث الساحل السوري هى صافرة إنذار خطيرة بأن الوضع في سوريا غير مستقر وهش، خاصة مع موقع سوريا الجغرافي، وفى ظل وجود عناصر من حزب الله والأكراد وكل الميليشيات الإرهابية، مما يجعل الموقف داخليًّا على حافة بركان من استخدام ورقة الطائفية والأقليات لإحداث حرب أهلية.
ورغم اجتماع دول الجوار الخمس في الأردن على المستوى الدبلوماسي والمخابراتي بين الأردن وسوريا والعراق وتركيا ولبنان للحفاظ على الوضع في سوريا ما زال الموقف غامضًا ومربكًا ومرشحًا للاشتعال والتجاوزات، خاصة أن ما تم في المدن الساحلية السورية تم بشكل احترافي ومنظم.
ورغم بيانات الرئيس الانتقالي أحمد الشرع للحفاظ على السلم الاجتماعي والتحقيق الشامل في أسباب ما جرى، وكشفه أن هناك دولًا خارجية ومجموعات محلية لا تريد الاستقرار في سوريا فإن المثير للجدل والدهشة أنه ما زالت الاضطرابات الأمنية مستمرة في الساحل وفى درعا والسويداء، وهناك صدام بين فلول الرئيس السابق وقوات الجيش والشرطة الجديدة، لدرجة أن المعركة أصبحت معركة حواري وشوارع، فالموقف ما زال مشتعلًا ويسقط القتلى من المدنيين والأبرياء في هذه المعركة التي لم نعرف تفاصيلها بدقة وأمانة، خاصة أن فلول النظام السابق، حسبما نُشر، يستخدمون الأكمنة بطريقة استخباراتية مكنتهم من عمل أكثر من 45 كمينًا لقوات الشرطة والجيش والتعزيزات الداعمة لهما.
فالمسألة الآن أصبحت تستدعى التعامل بحذر وذكاء سياسي في هذا الملف الطائفي الذي أصبح على حافة الانفجار في كل الاتجاهات، ونحن نتساءل: كيف تمكن تنظيم (هيئة تحرير الشام) الذي قاده أحمد الشرع من الاستيلاء على سوريا بلا مقاومة بين ليلة وضحاها بعد 14 عامًا من المعارك كان النظام السوري السابق خلالها مسيطرًا على الأماكن الإستراتيجية؟!
فالتخوف الآن في الشارع السوري أن تتحول سوريا إلى مطمع للدول الإقليمية والدول الخارجية، للاستفادة من موقعها الجغرافي ووجود ثروات البترول والغاز بها.
والسؤال: هل سينجح النظام الحالي في العبور من هذه العاصفة التي كشفت عورات ما يجرى في داخل المدن السورية خاصة في اللاذقية؟ وهل سيتمكن من رد فلول النظام السابق التي تعمل بدعم إقليمي ودولي وكأنها أصبحت دولة داخل الدولة؟ وكيف تتمكن هذه الفلول من مفاجأة الجميع من خلال معلومات وتحركات تستهدف الأماكن الإستراتيجية ومحطات الوقود والكهرباء؟ الغريب أن هذه الفلول تستخدم نفس طريقة تنظيم القاعدة وتذيق الشرع من نفس الكأس التي كان يذيقها للنظام السابق، ولكن أيًّا كانت الخلافات والاختلافات فإن من يدفع الثمن هو الشعب السوري صاحب التنوع والتسامح والثقافة العابرة للحدود.
ولا بد أن تتكاتف الدول العربية بعد أن عادت سوريا إلى حضن الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، من خلال دعم حقيقي على أرض الواقع لكي تعبر سوريا هذه الأزمة التي قد تؤدى إلى تفككها وتحولها إلى دويلات نتيجة شرارة الحرب الأهلية بين الأقليات والتنظيمات فى كل أفرع الدولة.
أقول: ارفعوا أيديكم عن سوريا، فدمشق لا تستحق ذلك، واتركوا هذا الشعب العظيم يعيش في أمان واستقرار، بعدما ذاق ويلات الحرب والتشريد والتهجير على مدار 14 عامًا.
ما يجرى من أحداث في سوريا يجب أن يتوقف فورًا لأن الأنظمة زائلة وشعب بلاد الشام الخالد هو الباقي، ولقد كانت دمشق إحدى الأذرع الرئيسية للأمن القومي العربي، وكانت تمثل البوابة الشرقية له، ولديها جيش عظيم هو جيش سوريا الوطني الذي خاض مع مصر حرب 1973، وكانت سوريا ومعها العراق- بجانب مصر بالطبع- أصحاب الجيوش العربية القوية فى منطقة الشرق الأوسط.
ويبدو أن تصفية الجيشين فى سوريا والعراق كانت هدفًا للكيان الصهيونى لأنها كانت وستظل جيوشًا ممانعة ومقاومة لتمدد الاحتلال، ولكن ما لا يعلمه هؤلاء الصهاينة أن جيش مصر خير أجناد الأرض لهم بالمرصاد، وأن شعب سوريا سيظل مقاومًا حتى بالكلمة، فهو شعب صاحب حضارة وتاريخ وثقافة، ويضم بين جنباته علماء ومفكرين وشعراء كبارًا، وهذا كنز لا نظير له ولا يقدر بالأموال، وهذا ما يجعله مستهدفًا، ولكنه سيظل آخر قنديل زيت على أرض العروبة والقومية العربية.
لذلك أطالب الرئيس أحمد الشرع بأن يتم فتح باب حوار حقيقي، وليس حوارًا وطنيًا لعدة أيام ينتهي بلا حوار، وأن يستمع إلى أطياف الشارع والأقليات حتى يتم بناء سياسي جديد يستوعب الجميع، ويتم إصدار دستور يحقق تطلعات الشعب السوري، ويشارك فيه كل الطوائف والمرأة أيضًا، ويتم رفع كافة القيود عن الإعلام والصحافة من خلال ضوابط قانونية، وتطبيق قانون العدالة الانتقالية حتى لا تكون هناك فزاعة اسمها الانتماء للفلول، فمن خلال محاكمات عادلة يتم تبرئة من لم تتلوث يده بدماء السوريين، ويتم حصار الفاسدين والمفسدين والقتلة، الذين دمروا الدولة وشردوا الشعب، فهؤلاء يستحقون محاكمة شعبية أمام الرأي العام السوري والعربي والدولي، وإلا دخلت سوريا الدائرة الجهنمية السابقة، وتحول الجميع إلى تروس تعمل على إبادة الأفكار والآراء والبشر.
-
"القمة العربية".. غزة ليست للبيع أو الشراء
-
يا عرب لا تتركوا مصر أمام الطوفان الترامبي الجديد
-
الشعب الفلسطيني بطل الحرب ضد إسرائيل
-
جوزيف عون رئيسًا للبنان