مصراوي

2025-03-17 19:15

متابعة
تنفيسة| حكاية قارئ القصر الملكي.. وشيخ المقرئين

مُنِحَ أول وسام يناله قارئ للقرآن الكريم في "عيد العلم" سنة 1965م، وأُخْتِرَ قارئ القصر الملكي، ولُقِبَ أيضًا بشيخ المقرئين، ثم كان أول مقرئ مصري معاصر يقرأ في ساحات المسجد الأقصى الأسير بعد الاحتلال الصهيوني له، إنه الشيخ مصطفى إسماعيل.

يُعد الشيخ مصطفى نموذج فريد في عالم التلاوة، له نمطه الخاص من حيث عذوبة الصوت المتأثر بمعاني الآيات، تمتع الشيخ مصطفى إسماعيل بمنزلة كبيرة لدى قطاع واسع من المسلمين في بقاع شتى، حيث لا يزال القارئ الأثير عندهم إلى الآن، حتى بعد مضي ما يقرب من أربعة عقود على وفاته.

وسنستعرض خلال السطور الآتية المحطات التي مر بها الشيخ مصطفى، والتي جعلت منه نموذجا حيا عايش القرآن الكريم وعاش به وله، وتخلق بأخلاقه.

عزيزي القارئ، وُلِدَ الشيخ مصطفى محمد المرسي إسماعيل في قرية ميت غزال التابعة لمركز السنطة محافظة الغربية في السابع عشر من شهر يونيو لسنة 1905م، ويُذكر أنها ليلة القدر. اتصف الشيخ بصفات كريمة، فكان إنسانًا بسيطًا، وعلى خلق كريم، عف اللسان، يحافظ على كرامته، ويطلعنا الشيخ عن سبب ذلك قائلًا: "أول ما يجب أن يحافظ عليه قارئ القرآن الكريم كرامته، أي كرامته الشخصية المستمدة من حمله لكتاب الله". نضيف إلى ذلك أنه رحمة الله كان شديد التواضع مع البسطاء وعشاق صوته من جميع الطبقات والأجناس.

وكان الشيخ مولع بالقراءة، ففي بيته كتب الأحاديث والسيرة النبوية، وكانت لديه مكتبة كبيرة تحوي الكثير من كتب علوم القرآن الكريم، والأحاديث وأسفار التاريخ، وكتب اللغة. وكان يقضي وقت فراغه في القراءة والاطلاع على الصحف والمجلات، فإذا وجد فراغًا واسعًا قضى في قراءتها أربع ساعات أو أكثر في اليوم، وأيضًا كان محبًا للشعر حافظًا له. كما حفظ القرآن الكريم كاملًا وعمره لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره. كما تعلم التجويد والقراءات السبع للقرآن الكريم، فيقول الشيخ: "حفظت القرآن الكريم على الشيخ عبدالرحمن أبو العينين، وبعد الكتاب حفظت القراءات السبع على الشيخ محمود أبو حشيش، وجَوْدته على الشيخ إدريس فاخر". وماذا عن مشواره كقارئ للقرآن الكريم؟

يقول الشيخ مصطفى إسماعيل أن بداية احترافه للقراءة كان في سنة 1925م، وكانت بدايته الشهرة من خلال قراءته في منطقة "الداوودية" بالقاهرة، وقد حضر عدد من كبار الشيوخ والملحنين، وبعد أسبوع من هذا اللقاء استدعى الشيخ لجنازة أحد الكبراء بالقاهرة مرة ثانية، لكنه فوجئ هذه المرة بحضور جميع شيوخ القراء في مصر، حيث سارت الركبان بأخبار الليلة الأولى؛ فكان هذا التأثير على هذه الكيفية، وأعقب ذلك مباشرة اشتراكه، في "رابطة القراء"، وقد أقامت حفلة كبيرة بمناسبة المولد النبوي الشريف بمسجد الحسين، في حضور الإذاعة وجمع غفير من الناس كان الموعد مع الشيخ ليفتتح القراءة في تلك الليلة، فكانت بمثابة فتح جديد ووثبة عالية يصل بها إلى درجة أفضل، حيث تعاقد مع الديوان الملكي للقراءة في ذكرى الملك فؤاد، وكان ملك إيران حاضرًا تلك الليلة، وأعجب به إعجابًا شديدًا، فطلب منه أن يحضر إليه في مكان ضيافته برأس التين ليقرأ له، فكانت هذه الخطوة بمثابة انطلاقته إلى العالمية.

كانت لهذه المصادفات أثر عظيم على مشوار الشيخ مصطفى الذي لم يكن يحسب له، وقد بدأت أولى هذه الخطوات بتعينه قارئًا للأزهر الشريف، وحدث ذلك بعد أن حضر له مجموعة كبيرة من أساتذة الأزهر الشريف وعلى رأسهم الشيخ إبراهيم شحاته المدرس بمعهد القراءات، حاولوا إقناعه بأن يتقدم بطلب ليكون قارئ للأزهر الشريف، إلا أن الشيخ امتنع في بداية الأمر قائلًا: "هذا يقتضي أن أذهب إلى وزارة الأوقاف وأقدم طلبًا، وأنا لا أفعل ذلك". فرد عليه السادة الشيوخ الأجلاء بأنهم كتبوا له الطلب وهو لا ينقصه سوى توقيعه. وما إن وقع الشيخ إلا وتم تقديمه لشيخ المقارئ المصرية وكان هو الشيخ نورالدين علي محمد حسن إبراهيم عبدالله المُلقب بالضباع آنذاك، ووافق الشيخ الضباع، وظل الشيخ مصطفى قارئًا للأزهر الشريف لأكثر من ثلاثين عامًا حتى وفاته.

وماذا عن علاقته بالقصر الملكي والرؤساء؟... صديقي القارئ، امتد صيت الشيخ مصطفى إسماعيل حتى وصل للملك فاروق، فأعجب به واختاره قارئًا للقصر الملكي؛ على الرغم من أنه لم يكن قد اعتمد تعيينه بالإذاعة. وكان أيضًا القارئ الرسمي للرئيس عبدالناصر، والذي قلده وسام الاستحقاق، وكذلك الرئيس أنور السادات الذي كان يحرص على إحضاره معه في الجُمَعَ التي يُصليها في الخارج، وقد اصطحبه معه في رحلته إلى المسجد الأقصى، فكان أول مقرئ مصري معاصر يقرأ في ساحات المسجد الأقصى الأسير بعد الاحتلال الصهيوني له.

وماذا عن تاريخه الإذاعي؟..عزيزي القارئ كانت الإذاعة هي طريق الشيخ إلى جماهير مصر والبلاد العربية، ولها عليه فضل لا يمكن جحوده. ولقد أعتاد الشيخ مصطفى أن يتلو القرآن في لياليه لساعات متصلة، ولا يتسنى له أن يصل إلى مرحلة الابداع في القراءة إلا بعد ربع ساعة من القراءة على سبيل التمهيد والاستعداد، وحاولت الإذاعة أن تقنعه بقراءة نصف ساعة كل أسبوع كما يصنع غيره من كبار المقرئين، فكان يعتذر ويقول: "لقد تعودت أن أقرأ ساعات طوالًا، فكيف أحصر قراءتي في نصف ساعة؟!".

لكنه استطاع أن يتغلب على هذه العقبة بالقراءة أمام جماهيره قبل التسجيل الإذاعي، حتى إذا بدأ التسجيل كان في أوج عطائه وتألقه، ويقول الشيخ مصطفى عن هذه التجربة: "قرأت في الإذاعة بعد أن أتيح لي تسخين صوتي بتلك الطريقة، فأعجبت قراءتي مستمعي الإذاعة الذين يبلغ عددهم الملايين، ومن بينهم أبناء قريتي ميت غزال الذين احتشدوا حول المذياع لسماعي".

وما هي الجوائز التي حصل عليها الشيخ مصطفى؟.. مُنِحَ أول وسام يناله قارئ للقرآن الكريم في "عيد العلم" سنة 1965م، كما نال وسام الأرز من لبنان في ذلك العام أيضًا، وسلمه إليه رئيس وزراء لبنان. وفي سنة 1973م أهدى إليه الرئيس التركي مصحفًا شريفًا مكتوبًا بماء الذهب، ونال وسام الاستحقاق من سوريا، وحصل على أعلى وسام من ماليزيا، ووسام الفنون من تنزانيا سنة 1978م، ووسام الامتياز سنة 1985م من الرئيس محمد حسني مبارك – رحمة الله عليه – وتسلمه عنه ابنه المهندس أحمد وحيد مصطفى إسماعيل.

ورحل الشيخ مصطفى عن عالمنا في السادس والعشرين من شهر ديسمبر لسنة 1978م، بعد أن أثرى المكتبة السمعية القرآنية بما يزيد عن ألفي تسجيل، وهو ما أكده الشيخ مصطفى خلال لقاء تلفازي في برنامج "صباح الخير يا مصر" المُذاع على القناة الأولى، ويُذكر أن الشيخ قد قرأ (خمسين ألف ساعة) في المناسبات المختلفة خلال الخمسين عامًا التي قرأ فيها.

وكان ولا زال علماء الأصوات يؤكدون أن الشيخ مصطفى إسماعيل قد أحدث تغييرًا وتطويرًا لا مثيل له في سماء التلاوة والترتيل، فقد استطاع بموهبته وصوته الرائع أن يُحدِث تنويعًا في نبرات تلاوته قلْ أن يوجد لها مثل، بل إن هؤلاء العلماء يؤكدون أن لديه حنجرة نادرة، وأنه يملك طبقة صوت رائعة، وقد غادرنا الشيخ إلا أن صوته ما زال حيًا، وسيرته العطرة ما زالت باقية، وتأثيره العظيم يزداد يومًا بعد يوم.

الأخبار المتعلقة

  • تنفيسة| «أنوار السماء».. «لعلهم يفقهون» في ثوب جديد

  • تنفيسة| حكاية أول عالمة ذرة مصرية اغتالها الموساد

  • تنفيسة| «السباعي».. رائد الأمن الثقافي (2 – 2)

  • تنفيسة| «السباعي».. رائد الأمن الثقافي (1 – 2)

للإطلاع على النص الأصلي
74
0
مشاركة
حفظ

آخر الأخبار

أحدث الأخبار

    أحدث الفيديوهات