كانت الحاجة «محروسة»، سيدة سبعينية، مالكة عقار في منطقة المنيب بالجيزة، معروفة بين جيرانها بالطيبة والحنان، بنت بيتها بعرقها، وأسكنت أبناءها في طوابقه المتفرقة، وفتحت أبوابه لجيران ومستأجرين وثقت فيهم، لم تكن تعلم أن بابها المفتوح على الدوام سيكون مدخلًا لقاتليها، إذ تقول «إيمان» ابنة المجنى عليها: «المستأجرة دخلت تشرب ميه، وجوزها طفى النور وخنق أمي وسرق ذهبها»، وبعد أيام من الجريمة، ضبطت الشرطة المتهمَين في أسيوط، وبحوزتهما المسروقات «6 غوايش، وحلق، و20 ألف جنيه من قيمة الإيجارات».
كيف قُتلت الحاجة «محروسة» على يد المستأجرين في المنيب؟
«كنا قبل الحادث بيوم في فرح نسايب أخويا أحمد، وأمي كانت معانا وفرحانة جدًا، ضحكت وغنت، ما كناش نعرف إن دي آخر ليلة في عمرها»، تقول «إيمان»، ابنة العجوز، في حديث لـ«المصرى اليوم»، وهي تحاول استعادة تفاصيل الساعات الأخيرة في حياة والدتها.
في اليوم التالي، بدأت القصة حين لاحظت «إيمان» أن والدتها لا ترد على الهاتف: «فضلت أتصل بيها من الضهر لحد العصر، وتليفونها مقفول.. ده مش طبيعي بالنسبة لها، أمي دايمًا بترد حتى لو مشغولة».
محاولة التواصل تحولت إلى قلق، ثم استنفار، تقول: «زوجي كان جايب لها ذرة للحمام، وعدى من عند بيتها اللي في المنيب، وبعت بنت أخويا تشوفها، قالت له إنها بتخبط ومفيش رد، فبدأ القلق يكبر».
«أمي ما كانتش بتقفل باب شقتها، لأنها ساكنة وسط أولادها، والبيت مليان سكان من أهلنا ومستأجرين نعرفهم، ولما حسيت إن فيه حاجة مش طبعية، كلمت جارة أمي المستأجرة شقة مننا، اسمها أم أمنية، وطلبت منها تشوف الوضع، لكن حتى هي قالت لي إنها خبطت ومفيش رد».
مقتل سيدة بسبب سرقة مشغولاتها الذهبية وإيجارات السكان
«إيمان» قررت استخدام نسخة المفاتيح التي أعطتها لها والدتها تحسبًا لأي طارئ: «دخلت الشقة ومعايا مرات أخويا، لقينا أمي مرمية على الأرض، صوتنا، ومرات أحمد أخويا فجأة صرخت وقالت لي إلحقينا.. أمك مربوطة ومشنوقة بإيشارب، ومربوط بإيد كرسي الإنترتيه اللي بتقعد عليه طول الوقت».
الصورة كانت صادمة، بالنسبة لابنة المجنى عليها: «جثة أمى مربوطة ومشنوقة داخل بيتها، دون كسر في الباب، ولا أي آثار مقاومة»، تقول: «جارتنا قالت على طول: فين ذهبها؟ وبدأنا نفتش، لقينا 6 غوايش وحلق كانوا اختفوا».
وبينما الشرطة كانت في طريقها، بدأ الأبناء يتذكرون الساعات السابقة للجريمة، وتحديدًا «أحمد»- سائق «أوبر»، أحد أبناء الحاجة «محروسة»، الذي قال: «أنا كنت شوفتها يومها مرتين.. أول مرة وأنا رايح شغلي، والتانية بعد ما خلصت ورديتي وكنت رايح أزف عريس بعربيتي، وقبل ما أمشي كنت مديها 4 آلاف جنيه كانت سلفاهم لي عشان أعمل عملية في دراعي، وهي قالت لي: ربنا يكرمك، وسيب جزء عشان تسدد أقساط العربية، وبعد ساعتين فقط، كانت الجريمة قد وقعت».
المباحث حضرت إلى منزل «العجوز»، وبدأت معاينتها لمسرح الجريمة: «قلت لهم من أول لحظة: اللي دخل على أمي وقتلها لازم يكون حد قريب منها، لأن ما فيش أي آثار كسر، والباب مفتوح عادي، وأمي ما بتقفلش بابها طول عمرها»، وفق «إيمان» ابنة المجنى عليها، التي تعاود حديثها.
أبناء ضحية جريمة المنيب يروون لحظات ما قبل الجريمة
البيت الذي سُكن منذ أكثر من ٤٥ سنة، كان موطنًا للأبناء الـ3: «أحمد» و«أيمن» المتزوجان ويعيشان في نفس العقار، و«فتحي»، الابن الأكبر، الذي يملك محل سِرجة أسفل العقار، ويعيش في بيت آخر قريب: «إحنا عارفين كل الناس اللي ساكنة، بس فيه شقة في الدور اللي فوق أمي، كان ساكن فيها محمد ومراته، دول جم استأجروا من سنة»، تقول «إيمان».
كان الزوجان «محمد» وزوجته قد قدّما أنفسهم على أنهما أسرة بسيطة من أسيوط، ولديهما طفلان، أحدهما عمره 4 سنوات والآخر سنتان: «قبل عيد الأضحى اللى فات، قالوا لأمي إنهم هيسافروا بلدهم وهييجوا بعد شهر، ويسيبوا الشقة عشان عقد الإيجار هيخلص».
لكن اختفاؤهما بعد الواقعة مباشرة أثار الشكوك، تقول «إيمان»: «المباحث بدأت تتتبع تحركاتهم، ولما راحوا يدوروا عليهم في العنوان اللي قدموه عند الإيجار، لقوا إنهم سافروا فعلًا لأسيوط، لكن تليفون أمي كان معاهم، ومسروق، وده أكد الشك».
القبض على المتهمين في أسيوط بعد جريمة القتل في المنيب
وبعد 3 أيام من البحث والتحريات، تمكنت المباحث من القبض على المتهمين في أسيوط، وضُبط بحوزتهما 6 غوايش وحلق ذهبي، بالإضافة إلى مبلغ مالي يتجاوز 20 ألف جنيه، كان من أموال الحاجة «محروسة»، التي كانت تحتفظ بها داخل شقتها، كجزء من إيجارات العقارين اللذين تملكهما، وقررت النيابة العامة حبسهما 4 أيام.
التحقيقات كشفت أن الزوجة دخلت إلى الشقة أولًا، وطلبت من «محروسة» كوب ماء، ثم دخل زوجها، وأطفآ الأنوار في السلم حتى لا يراهما أحد، وقاما معًا بتكميم فم الضحية بفوطة صغيرة، ثم ربطا رقبتها بإيشارب، وشدّاه إلى كرسي كانت تجلس عليه دومًا، تقول «إيمان»: «لقينا آثار عضّ في إيديها، وجرح مكان خلع الحلق، وكل ده حصل عشان يسرقوها».
«فتحي»، الابن الأكبر، يقول إن والدته كانت تتعامل مع المتهم الأول كأنه ابن من أبنائها: «محمد كان شغال بيبيع هدوم بالة في شارع العريش، وأمي كانت بتقف جنبه، وتعطف عليه، وتسامحه لما يتأخر في الإيجار».
أما «أيمن»، فيتذكر واقعة أخرى: «مرة نسايب محمد جم يتخانقوا معاه عند البيت، وأمي قالت لي خليك في ضهري، لأن الراجل ساكن وسطنا ومالوش حد.. كانت بتخاف على سُمعته زي ما تخاف على ابنها».
«أحمد»، الابن الثالث، لا يزال لا يصدق أن القاتل كان يعرف توقيت خروجه ودخوله: «أنا كنت سايب البيت من ساعتين، ودي مش أول مرة أروح وآجي، وهو كان مراقب، واستنى اللحظة المناسبة عشان ينفذ اللي في دماغه».
النيابة العامة قررت حبس المتهمين على ذمة التحقيق، وطلبت تحريات إضافية حول ظروف الجريمة، فيما لا تزال الأسرة تحاول استيعاب ما جرى.
«أمي ما كانتش بتأذي حد، كانت بتصلي فرض بفرض، وماشية جنب الحيط.. ماتت عشان طيبتها وسذاجتها»، تقول «إيمان»، وهي تحاول أن تجد تفسيرًا منطقيًا لنهاية والدتها المروعة، ثم تضيف: «إحنا لسه مش مصدقين.. اللي حصل ما يدخلش عقل، بس ربنا كبير، والحق رجع».