تبدلت ألوان السماء فوق منطقة وسط البلد مع غروب شمس اليوم الاثنين، إذ غطت سحب كثيفة من الدخان الأسود معالم القاهرة، وامتدت رائحة الحريق على مسافات بعيدة، فيما كانت ألسنة اللهب تتصاعد من مبنى سنترال رمسيس الذي التهمته النيران بالكامل في واحدة من أكبر الحرائق التي شهدتها المنطقة خلال الفترة الأخيرة.
كانت الساعة تقترب من الرابعة عصرًا حين تصاعدت أولى خيوط الدخان من المبنى المكون من أكثر من 10 طوابق، قبل أن تتحول سريعًا إلى أعمدة كثيفة، وتعلو أصوات صفارات سيارات الإسعاف والإطفاء في المكان، بينما غادر العاملون في المبنى للخروج مسرعين في حالة من الفزع.
حريق كبير داخل سنترال رمسيس
قال شهود عيان إنهم سمعوا أصوات فرقعة متتالية خرجت من داخل المبنى المحترق، مرجحين أنها نتيجة احتراق كابلات الكهرباء وخطوط الاتصالات، لتعلو ألسنة اللهب وتملأ السماء بالدخان، وتغطي معالم شارع رمسيس ومنطقة الإسعاف بأكملها.
انطلق رجال الحماية المدنية إلى موقع الحريق في محاولة للسيطرة على النيران، ودفعت هيئة الإسعاف بـ 17 سيارة إسعاف لتقديم الإسعافات الأولية ونقل المصابين إلى المستشفيات القريبة، إذ أسفر الحريق عن إصابة 21 شخصًا باختناقات وحروق متفرقة، دون تسجيل أي حالات وفاة حتى اللحظة.
مع ازدياد ألسنة النيران وامتدادها للأدوار العليا، أغلقت إدارة المرور كوبري 6 أكتوبر في الاتجاه المؤدي إلى مدينة نصر، للسماح بصعود سيارات الإطفاء والسلالم الهيدروليكية عليه للسيطرة على النيران من الأعلى، وسط انتشار كثيف لرجال المرور لتنظيم الحركة المرورية المتوقفة في المنطقة.
حريق سنترال رمسيس
في محطات المترو القريبة، شعر الركاب بروائح الأدخنة تملأ الأنفاق والأرصفة، ما دفع الكثيرين إلى مغادرة القطارات في حالة من الارتباك، بينما استمرت حركة القطارات بحذر وسط محاولات هيئة المترو تهوية المحطات وإخراج الأدخنة حفاظًا على سلامة الركاب.
لم يكن المشهد هادئًا في شوارع وسط البلد، إذ توجه الأهالي لتوثيق اللحظة عبر هواتفهم المحمولة، بينما كان الدخان يغطي واجهات المحال والواجهات الزجاجية للمباني المحيطة، وتحولت المنطقة إلى ساحة واسعة لاختناق الهواء وروائح الحريق، في وقت واصل رجال الإطفاء معركتهم ضد النيران لساعات متواصلة.
قال أحد سكان المنطقة: كنا شايفين النار طالعة من فوق السطوح والدخان مالي السما.. فجأة بقى الشارع كله مش باين من الدخان والناس بتجري بعيد.
حاول رجال الإطفاء محاصرة الحريق ومنع امتداده إلى المباني المجاورة، مستخدمين خراطيم المياه والسلالم الهيدروليكية، مع استمرار وصول سيارات الإطفاء واحدة تلو الأخرى، فيما تجمعت سيارات الإسعاف على أطراف شارع رمسيس استعدادًا لنقل أي حالات اختناق تظهر بين العمال أو الأهالي.
أصوات المارة علت بالدعاء «ربنا يستر ويلطف» مع كل لحظة كانت تشتد فيها ألسنة اللهب داخل المبنى، بينما استمرت الجهود المتواصلة طوال الليل للسيطرة على الحريق، قبل أن تبدأ فرق الحماية المدنية في أعمال التبريد لضمان عدم تجدد النيران داخل المبنى.
بينما كان رجال الإطفاء يسابقون الزمن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أشرفت القيادات الأمنية والتنفيذية في القاهرة على عمليات الإخلاء والتنظيم في محيط الحريق، ونسقت مع وحدات الكهرباء والغاز لقطع التيار عن المنطقة لضمان سلامة عمليات الإطفاء.
وتحول شارع رمسيس الذي اعتاد سكان القاهرة المرور منه يوميًا إلى مركز أزمة تنقلات واختناقات مرورية نتيجة الحريق، إذ تم تحويل خطوط السير في الشوارع الجانبية بعد غلق الكوبري ومحيط المنطقة، وسط محاولة رجال المرور تخفيف الكثافات المرورية في الشوارع المجاورة.
قال عامل بأحد المحال القريبة: «كنا بنقفل بسرعة عشان الدخان كان خانق، والدنيا كلها سودة.. الناس كانت بتجري بعيد من الخوف، والشرطة كانت بتبعد الناس عشان محدش يتأذي».
مع دخول الليل، استمرت ألسنة الدخان تتصاعد من المبنى المحترق رغم تراجع اللهب نسبيًا، وظلت أضواء سيارات الإطفاء والإسعاف تملأ المكان حتى ال ال 10 مساء بينما بقيت قوات الإطفاء منتشرة داخل المبنى وفي محيطه لإجراء عمليات التبريد لضمان عدم تجدد الحريق.
وحتى اللحظة، لم تُعلن الجهات الرسمية عن السبب النهائي للحريق، وسط ترجيحات أولية بأن ماسًا كهربائيًا أو انفجار كابلات داخل المبنى قد يكون السبب، فيما تتواصل التحقيقات الرسمية لكشف الملابسات.
يصف الأهالي اللحظات التي عاشوها بأنها ساعات من الرعب، بينما أثنى الكثيرون على بطولة رجال الحماية المدنية الذين واجهوا النيران وسط الدخان الكثيف والخطر الكبير على حياتهم من أجل السيطرة على الحريق وإنقاذ أرواح الناس ومنع امتداد النيران إلى المباني المجاورة.