لم تكن واقعة سرقة مها الصغير للوحة الفنانة التشكيلية الدنماركية ليزا لاش نيلسون سوى حلقة جديدة في سلسلة من الانتهاكات المستمرة لحقوق الفنانين، كما يرى الفنان التشكيلي أحمد الجنايني، الذي علق بغضب لـ«المصري اليوم»، قائلًا إن مثل هذه الأفعال لا تقل بشاعة عن السرقة المادية، بل تفوقها من حيث وقع الخسارة على المسروق، فالفنان حين يبدع يُسخّر طاقته، روحه، وأعصابه لإنجاز عمل بصري صادق، فكيف يُعوض عن كل ذلك؟
الجنايني، الذي يرأس أتيليه القاهرة، لم يخفِ قلقه من تكرار مثل هذه الحوادث في الوسط الفني المصري، معتبرًا أن الأزمة تعكس انعدام الرقابة، وغياب القوانين الرادعة، والأخطر من ذلك، غياب الوعي المجتمعي بأهمية الفن كقيمة ثقافية واقتصادية.
القانون غائب.. والسرقة حاضرة
أشار أحمد الجنايني إلى أن مصر لا تولي الصورة البصرية حقها، بعكس الغرب الذي تقوم فيه صناعات ضخمة على الجمال البصري، سواء في السينما أو الفن التشكيلي، وتُسَن فيه قوانين صارمة لحماية حقوق الملكية الفكرية.
واستدل في قوله بواقعة شهيرة شهدتها مصر مطلع عام 2022، حين اتُهمت مصممة الجرافيك غادة والي بسرقة رسومات الفنان الروسي جورجي كوراسوف، واستخدامها في تزيين محطة مترو كلية البنات، وعلى الرغم من نفيها للتهمة بادعاء «توارد الأفكار»، فإن المحكمة الاقتصادية أدانتها في 17 أبريل 2024، وأصدرت حكمًا بحبسها ستة أشهر وتغريمها 10 آلاف جنيه، مع تعويض مؤقت قدره 100 ألف جنيه للفنان الروسي.
فيما عبّر وقتها الفنان الروسي جورجي كوراسوف، صاحب الرسومات المسروقة، عن صدمته حين شاهد رسوماته تُعرض في جدارية محطة المترو بعد إدخال تغييرات طفيفة، مؤكدًا أن إحدى اللوحات التي سُرقت منه تعود إلى ما قبل 27 عامًا، أي قبل تنفيذ الجدارية بعقود، ما يُفند ادعاء المصادفة أو التشابه غير المقصود.
وادعت غادة والي أن أوجه التشابه بين الجدارية ولوحات كوراسوف تعود إلى استلهامها من الفن الفرعوني القديم، زاعمة أن كليهما ربما اعتمد على نفس المصدر البصري، وهو ما رفضه المختصون باعتباره تهربًا واضحًا من مسؤولية فنية وأخلاقية.
ضعف التشريعات الفنية
اختتم الجنايني حديثه بتأكيد أن ضعف التشريعات الفنية في مصر لا يقتصر على لوحات تُسرق أو صور تُنتهك، بل يمتد إلى الجامعات والمؤسسات، حيث يُسطى على رسائل الدكتوراة وتُنسب لغير أصحابها، ليتصدر هؤلاء المشهد الأكاديمي زورًا.
وأضاف: «ليس القانون المصري وحده ما يحتاج إلى مراجعة شاملة تحمي الإبداع وتحاسب المزورين، سواء في الجامعات أو المعارض أو حتى على جدران المترو، بل يستلزم العملية إعادة تهذيب للضمير، فالفنان الحق لا يسرق أفكار زملائه ولا يتعدى على مجهودهم الإبداعي الأصيل، لذلك فحماية الفن ليست مجرد ترف، بل ضرورة حضارية واقتصادية، فينما تُفرض العقوبات الصارمة في العالم المتقدم، يبقى الفنان المصري يواجه وحده قراصنة الإبداع، في ظل صمت قانوني وتجاهل مجتمعي».
كما أشار الفنان التشكيلي إلى أن بعض الدول وعلى رأسها الصين أدركت قيمة الصورة والشكل الجمالي في النهوض باقتصادها، فتجدها تصنع أصغر الأدوات وأجمل الألعاب للأطفال بغض النظر عن مدى جودتها والاهتمام بإطالة عمرها الافتراضي لأن المصنّع الصيني يعلم أن المستهلك يشتري بعينه أولًأ قبل أن يُعمل عقله ويدقق في مواصفات المنتج، وهو ما يزيد الجمال قيمةً اقتصادية تضاف إلى قيمته الفنية والبصرية.