اتجهت وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة نحو إدخال نمط بنائى جديد فى بعض المدن الناشئة كالعاصمة الإدارية والعلمين الجديدة، يعتمد على زيادة الارتفاعات بالمبانى القائمة لتصل إلى 11 و 12 و30 دورًا، بما يمثل نمطًا جديدًا غير المتعارف عليه بمدن المجتمعات العمرانية، والتى تتميز بعدم تجاوز الارتفاعات عن 4 و5 أدوار.
وأكد الخبراء أن تلك الآلية من الممكن تطبيقها فى مدن بعينها نظرًا لاعتبارات أمنية وهندسية تتعلق بطبيعة التربة، كما لابد من التخطيط الجيد للأراضى، وتنفيذ مرافق وبنية تحتية، خاصة فى حال الرغبة فى تنفيذ ارتفاعات عالية لعدم حدوث مشكلات تتعلق بالمرافق مستقبلا.
وأشاروا إلى أن تلك الخطوة قد تكون مطلوبة فى التوقيت الحالى للتغلب على مشكلة الارتفاعات المتزايدة فى أسعار الأراضى وامتدادها إلى الوحدات السكنية، إذ زيادة الارتفاعات يضمن تقليل نصيب الوحدة من الوزن النسبى للأرض، فيما حذر آخرون من إسهام تلك الخطوة فى نشر العشوائيات.
قال المهندس مصطفى فهمى، رئيس جهاز مدينة القاهرة الجديدة, إن الارتفاعات بمدن المجتمعات العمرانية الجديدة تتحدد طبقًا لقواعد وموافقات الجهات الأمنية، فلا يجوز فى الغالب زيادة نسب الارتفاعات فى المدن القريبة من المطارات، مؤكدًا أن لجوء وزارة الإسكان إلى السماح بتنفيذ مبانٍ بارتفاعات تصل إلى 20 طابقًا فى بعض المدن الجديدة مثل العاصمة الإدارية يُسهم فى تحقيق إضافة وتنوع للنمط المعمارى والحضارى بالمجتمعات العمرانية.
وأضاف «فهمى» أن تطبيق تلك الخطوة يتطلب التخطيط الجيد للمدينة وطبيعة التربة لتنفيذ مرافق تتلاءم مع تلك الارتفاعات والكثافات السكانية المحتملة، وذلك لعدم حدوث أية مشكلات مستقبلاً، مشيرًا إلى صعوبة تطبيق ذلك فى أغلب مدن المجتمعات العمرانية القائمة، ولفت إلى أن الالتزام بالتخطيط هو سبيل عدم حدوث العشوائية، كما أن الرقابة تعد أهم سمات مدن المجتمعات الجديدة.
ومن جانبه، قال المهندس علاء منيع، رئيس جهاز مدينة دمياط الجديدة, إن تكلفة توفير المرافق والبنية التحتية التى تناسب الارتفاعات العالية للمبانى مرتفعة للغاية، وتزيد عن تكلفة مرافق الارتفاعات المعتادة بمدن المجتمعات العمرانية، مما يدعم إمكانية تطبيق تلك الآلية فى مدن بعينها، وهى التى تسعى الهيئة خلالها لإضفاء نسق وطراز مميز بها، لافتا إلى أن طبيعة التربة بالمدينة تلعب دورًا مهمًا فى تحديد مستوى ارتفاع المبانى.
وأضاف «منيع» أن إتاحة ارتفاعات عالية بمدن بعينها لا يعنى احتمالية وجود العشوائية أو الإضرار بالنمط البنائى المتعارف عليه لمدن المجتمعات، إذ إن الهيئة تهتم جيدًا بالتخطيط قبل البناء، وسيتم مراعاة عروض الشوارع مع الارتفاعات.
ولفت رئيس جهاز مدينة دمياط الجديدة إلى ضرورة تنويع الطرز والنسق المعمارى للعمارات بمدن المجتمعات بشكل يناسب التخطيط لتوفير التنوع فى السوق المصرية، والعمل نحو تلبية أكبر قدر من الاحتياجات السكانية فى المدن لضمان سرعة التنمية والإشغال.
وأكد المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقارى بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن اتباع نمط بنائى يعتمد على زيادة ارتفاعات المبانى فى مدن المجتمعات العمرانية الجديدة خطوة جيدة حال الالتزام بالتخطيط العمرانى، وتوفير متطلبات تلك المبانى، مشيرًا إلى إمكانية تطبيق تلك التجربة فى المناطق المميزة بالمدن، والتى تتسم بقربها من الطرق الرئيسية لتصبح علامة مميزة «لاند مارك» للمدينة، وتُسهم فى إضفاء رونق وشكل جمالى خاص بها أسوة بالدول العربية ومنها دبى، والتى توجد بها مبانى عالية بالأراضى القريبة من الطرق، وفى الداخل توجد مبانى أقل انخفاضًا.
وأشار «بدر الدين» إلى أن التوسع الرأسى خطوة لا تضر بالمرافق والبنية الأساسية بالمدن حال اكتمالها وسلامتها، كما لا تؤثر على النسبة البنائية المحددة أو الكثافات المناسبة للمنطقة.
وأوضح أن تلك الخطوة تُسهم فى تحقيق قيمة مضافة للمدن، وإتاحة فرص للابتكار وتحسين النمط المعمارى للمبانى.
ومن جانبه، أكد المهندس فتح الله فوزى، نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين ورئيس شركة مينا لاستشارات التطوير العقارى, أن السماح بارتفاعات عالية للمبانى بشرط ملائمتها مع التخطيط العمرانى للمدن القائمة حاليًّا وفى الأراضى المميزة على المحاور والطرق الرئيسية سيُسهم فى إضفاء شكل جمالى ورونق حضارى للمدن الجديدة، لافتا إلى توجه الوزارة إلى تلك الخطوة فى مدن كالعاصمة الإدارية والعلمين الجديدة مطلوب لتطوير الشكل والنسق العمرانى، ومن الممكن تعميمه بمدن المجتمعات القائمة.
ولفت «فوزى» إلى إمكانية اختيار محاور بالمدن لتنفيذ منطقة مال وأعمال تشمل مبانى بارتفاعات تصل إلى 20 طابقًا على سبيل المثال تخصص وحداتها للأنشطة التجارية والإدارية والسكنية بما يُسهم فى توفير نمط جمالى للمدينة، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، على أن تصبح باقى المدينة بالارتفاعات المعتادة والمنخفضة، مشيرًا إلى وجود ذلك النمط البنائى فى العديد من الدول ومنها الإمارات «دبى».
وذكر أن مبادئ التخطيط العالمية لتحقيق الاستدامة والتى تتوجه إليها حاليًّا جميع الدول تعتمد على تخطيط مبانى ذات ارتفاعات ومتعددة الاستخدامات بين السكنى والخدمى بما يضمن حسن استغلال الأرض، وتقليل المهدر منها، وإتاحة فرص لأكبر عدد من السكان للعيش فى مساحات أقل، وترشيد استهلاك المرافق والبنية الأساسية، بالإضافة إلى ترشيد الطاقة، بحيث تتوافر الخدمات التى يحتاج إليها المواطن فى نفس المنطقة، ويتم تقليل فرص استخدام سيارات والحاجة إلى التنقل.
وفى سياق متصل، أضاف المهندس عاطف إبراهيم، نائب رئيس مجلس إدارة شركة ابن سينا للقرى والفنادق السياحية, أن زيادة الارتفاعات بالعمارات شرط مع التخطيط الجيد، والالتزام به حل ضرورى فى تلك الفترة، لأنه سيسهم فى تقليل الوزن النسبى للأرض فى تكلفة المبانى والتغلب على الزيادات الأخيرة التى شهدتها أسعار الأراضى، والتى انعكست بدورها على سعر المنتج النهائى، مشيرًا إلى أن تلك الخطوة ستسهم فى الحد نسبيا من الزيادات السعرية المضطردة فى الوحدات السكنية، والتى وصلت إلى مستويات لا تتناسب مع دخول الشريحة الكبرى من راغبى الحصول على وحدات سكنية، مما يؤدى إلى حدوث أزمات مستقبلية.
وأشار «إبراهيم» إلى أن السماح بارتفاعات تصل إلى 11 و12 طابقًا بعمارات العاصمة الإدارية الجديدة أسهم فى إقبال المستثمرين على الأراضى التى تم طرحها بالمزايدة والموافقة على زيادة العروض المالية المقدمة منهم، وذلك رغم حداثة المدينة ونسبة المخاطرة فى تنفيذ مشروعات بها على الأجل القصير، وعدم مناسبة آلية الطرح مع ذلك، لافتا إلى أن الفترة الحالية تتطلب حلولا غير تقليدية للحد من زيادة تكلفة تنفيذ المشروعات وانعكاسات ذلك على الأسعار.
واستبعد الدكتور أحمد أنيس، الخبير العقارى وأستاذ الهندسة الإنشائية، وجود علاقة بين زيادة الارتفاعات بالعمارات والمبانى والعشوائية، فى ظل اتسام المدن والمبانى القديمة بالتخطيط الجيد والحفاظ على النسق الجمالى والمعمارى دون حدوث أى عشوائيات، والتى تظهر نتيجة غياب التخطيط، وعدم قيام بعض أجهزة الدولة بمهامها فى ضبط المخالفات، ووضع عقوبات رادعة للحد من عمليات البناء المخالف.
وأشار «أنيس» إلى أن الاتجاه نحو زيادة الارتفاعات فى بعض مدن المجتمعات الجديدة كالعملين والعاصمة الإدارية لا يسهم فى الإضرار بنمط الإنشاء فى مدن المجتمعات، إذ يتم اختيار المدن التى تتناسب طبيعتها مع وجود ارتفاعات عالية بالمبانى، كما أن الارتفاع الشديد فى أسعار الأراضى مؤخرًا يحتم اللجوء إلى حلول غير تقليدية ومنها زيادة الارتفاعات فى بعض المدن التى تسمح بذلك لكبح جماح الزيادات المتتالية فى أسعار الوحدات السكنية، وتوفير وحدة بأسعار تلائم دخول المواطنين.
ولفت إلى أن توجه الدولة والقيادة السياسية حاليًّا نحو إزالة التعديات يسهم فى وضع قيود نحو عدم حدوث عشوائيات أو تعديات مستقبلية.
ومن جانبه، قال الدكتور هانى سراج، خبير التخطيط وأستاذ العمارة بالمركز القومى لبحوث الإسكان والبناء, إن نمط زيادة الارتفاعات يمكن تطبيقه فى مدن ومناطق بعينها، ولا يتم تعميمه بأغلب مدن المجتمعات العمرانية، خاصة فى ظل عدم الاحتياج الحالى إلى ذلك مع وجود مساحات شاسعة من الأراضى الفضاء غير المستغلة، والتى تُسهم فى توفير الاحتياجات السكانية الحالية والمستقبيلة والحد من المغالاة فى أسعار الأراضى.
وأضاف «سراج» أن المستفيد من نمط المبانى ذات الارتفاعات فى الغالب الشركات العقارية والمقاولات لدورها فى تقليل التكلفة، وعدم الاستعانة بعدد كبير من العمالة، مشيرًا إلى أن تطبيق ذلك النمط فى العاصمة يتلاءم مع طبيعتها، خاصة فى تواجد العديد من المبانى والمقار الإدارية التى تتطلب ارتفاعات، وشكلا معماريا أسوة بالدول الأجنبية.
وأشار خبير التخطيط وأستاذ العمارة بالمركز القومى لبحوث الإسكان والبناء، إلى أن السماح بزيادة الارتفاعات فى المدن القائمة عقب موافقة الجهات السيادية سيؤدى فى الأجل الطويل إلى نشر العشوائيات، وتدمير النمط والطراز المميز لمدن المجتمعات، والتى تفردت به فى السنوات الأخيرة.