أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلًا جديدًا تناول من خلاله وضع النظام الغذائى العالمى، حيث أشار إلى أن الفترة الراهنة تُعد من الفترات الصعبة التى يشهدها العالم نتيجة زيادة الحروب، والنزاعات الجيوسياسية، وانتشار عدد من الأوبئة على خلفية ذلك، فضلًا عن التغيرات المناخية الحادة، ما ترتبت عليه زيادة نسبة الجوع عالميًّا، وتسبب فى تعطيل جهود تقليل هذه النسبة، علمًا بأن القضاء على الجوع يمثل الهدف الثانى من أهداف التنمية المُستدامة ٢٠٣٠، والذى ينص على خلق عالم خالٍ من الجوع عن طريق تحقيق الأمن الغذائى والتغذية المحسنة وتعزيز الزراعة المستدامة.
ويُعرف الجوع، استنادًا إلى تعريف الأمم المتحدة، بالفترات التى يعانى فيها الأفراد الجوع لأيام كاملة دون تناول أى طعام، ويُعزى ذلك إلى نقص المال أو الوصول إلى الغذاء. فضلًا عن ذلك، عرّفت منظمة الصحة العالمية «الجوع الخفى» بسوء وضعف تغذية الفرد، على الرغم من حصوله على كميات من الطعام.
وأوضحت إحصاءات المعهد الدولى لبحوث السياسات الغذائية أن حوالى ٣ مليارات شخص فى مختلف أنحاء العالم لا يستطيعون تحمل تكاليف النظام الغذائى الصحى، ويتركز هؤلاء الأفراد بالأساس فى منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (٨٧٥ مليون نسمة)، وكذلك فى جنوب آسيا (١٢٨٣ مليون نسمة).
ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة، والمعهد الدولى لبحوث السياسات الغذائية، فمن المتوقع أن يظل أكثر من ثلث سكان العالم غير قادرين على تحمل تكلفة اتباع نظام غذائى صحى حتى عام ٢٠٣٠.
وسجلت أعداد الجوعى عالميًّا فى عام ٢٠١٥ نحو ٥٦٤ مليون شخص، بينما وصلت أعداد الجوعى فى عام ٢٠٢٢ إلى ٧٣٥.١ مليون شخص، ورغم أنه من المتوقع أن تنخفض نسبة سكان العالم غير القادرين على تحمل تكاليف اتباع النظم الغذائية الصحية من ٤٢٪ فى عام ٢٠٢١ إلى ٣٦٪ بحلول عام ٢٠٣٠، فإن هذه النسبة تظل مرتفعة أيضًا للغاية، الأمر الذى يجعل الاهتمام بالنظام الغذائى العالمى إحدى أهم القضايا التى يجب تسليط الضوء عليها فى الوقت الراهن. وأضاف مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أن إنتاج الغذاء العالمى ارتفع بوتيرة سريعة على مدار الستين سنة الماضية، حيث ارتفع نصيب الفرد من الغذاء بنحو ٤ أضعاف من عام ١٩٦١ إلى ٢٠٢١، الأمر الذى يرجع إلى نشر تكنولوجيا «الثورة الخضراء» للمحاصيل الأساسية الغنية بالسعرات الحرارية، وخاصة الحبوب، بالإضافة إلى إسهام مراكز البحوث الزراعية على مستوى العالم فى تطوير أصناف زراعية عالية الإنتاجية، وقد لعب هذا دورًا فى خفض أسعار المنتجات الغذائية الأساسية، ومن ثَمَّ خفض نسب الفقر والجوع فى العديد من الدول حول العالم.
وتشير معدلات نمو الرقعة الزراعية بنحو (١.٠٩ ضعف)، مقارنة بمعدلات نمو الإنتاج (٣.٨ ضعف)، والنمو السكانى (٢.٦ ضعف)، إلى احتمالية تدهور التربة الزراعية نتيجة الضغط على التربة لمواكبة متطلبات الطلب على الغذاء، علاوة على ذلك، فمن المتوقع حدوث ضغط إضافى كبير على طلب المنتجات الزراعية بسبب زيادة الطلب على إنتاج الوقود الحيوى.
ومما لا شك فيه أن التغيرات المناخية تؤثر على إنتاجية المحاصيل الزراعية، فوفقًا لتقرير Warmer planet will trigger increased farm losses الصادر عن مركز «Cornell Atkinson Center for Sustainability» فى يناير ٢٠٢٤، فإن كل ارتفاع فى درجة الحرارة بدرجة مئوية واحدة يقابله انخفاض المحاصيل الزراعية الرئيسية مثل الذرة وفول الصويا والقمح بنسبة تتراوح بين ١٦٪ و٢٠٪، كما يؤدى كل ارتفاع فى درجة الحرارة بدرجة مئوية واحدة إلى انخفاض إجمالى دخل المزرعة بنسبة ٧٪؛ ما قد يتسبب فى انخفاض صافى دخل المزارع بنسبة ٦٦٪.
وعن تحقيق هدف «القضاء على الجوع» بحلول عام ٢٠٣٠، أشار التحليل إلى أنه يجب النظر إلى الأوجه المختلفة التى يحاول الهدف الثانى من أهداف التنمية المُستدامة تحقيقها، والمتمثلة فى القضاء على الجوع وجميع أشكال سوء التغذية بحلول عام ٢٠٣٠. ونظرًا للتحديات الكبرى التى يواجهها النظام الغذائى العالمى، فإن الهدف الثانى من أهداف التنمية المستدامة يبدو هدفًا بعيد المنال.
علاوة على ذلك، فإن الأمن الغذائى يتأثر بالصراعات فى العديد من الدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط، كما يُعد كل من تفاقم النزاعات السياسية فى كثير من الأحيان والتغيرات المناخية الشديدة من العوامل الرئيسة وراء عودة ارتفاع نسب الجوع العالمى مقارنة بعام ٢٠١٥، كما أن الصدمات الاقتصادية العالمية الأخيرة، وخاصة تلك الناجمة عن جائحة كوفيد- ١٩، والصدمة التى تعرضت لها أسواق القمح والزيوت النباتية والأسمدة العالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، أدت إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائى العالمى، ما أثر على ٧٣٥.١ مليون شخص على مستوى العالم فى عام ٢٠٢٢، مقارنةً بعدد الأشخاص الذين عانوا الجوع فى عام ٢٠١٥.
وأضاف التحليل أنه وفقًا لتوقعات منظمة الأغذية والزراعة FAO والمعهد الدولى لبحوث السياسات الغذائية IFPRI، فإنه حتى وإن تم تحقيق انتعاش اقتصادى عالمى دون أى اضطرابات جديدة كبرى على مستوى العالم حتى عام ٢٠٣٠، فإن هدف القضاء على الجوع سيظل بعيد المنال.
وعن الأجندة المقترحة للأمم المتحدة للحد من أزمة الجوع العالمى، أوضح التحليل أنه تم عمل الأجندة للوصول إلى نسب منخفضة لمعدلات الجوع العالمية بحلول عام ٢٠٣٠. وتشير الأجندة التى تم إعدادها إلى أن التنفيذ واسع النطاق لهذه البرامج من شأنه أن يولد مكاسب مهمة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة مثل تحقيق أهداف الأمن الغذائى وتخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة الملوثة للبيئة، وتتضمن الإجراءات، على وجه التحديد ما يلى:
أولًا: إجراءات لتحقيق المزيد من العدالة تشمل، شبكات الأمان الاجتماعى: حيث يتم تقديم كوبونات غذائية أو تحويلات مالية مخصصة للإنفاق على الغذاء لجميع الفقراء، بحيث يكون متوسط حجم التحويلات كافيًا لسد الفجوة بين دخل الفرد فى الأسر الفقيرة والتكلفة الأساسية لحياة صحية. وبرامج التغذية المدرسية: يتم منح جميع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ٦ و١١ سنة إمكانية الوصول إلى برامج التغذية المدرسية لمدة ٢٠٠ يوم فى السنة.
ثانيًا: إجراءات لتحقيق خيارات أفضل، تشمل إعادة توجيه الإعانات الزراعية لتحفيز إنتاج الأغذية الصحية ومنخفضة الانبعاثات، حيث تتم إعادة تخصيص جميع الإعانات الزراعية للدفع المباشر للمزارعين، بما يتناسب مع إيرادات المزرعة. ويتم حساب معدل الدعم داخليًّا للحفاظ على ثبات الميزانيات المخصصة لدعم المزارع، إضافة إلى تقديم الإعانات للمستهلكين لتشجيع شراء الأطعمة الصحية مع وضع إصلاحات وحوافز للمستهلك.
ثالثًا: إجراءات لتحقيق الكفاءة، وتشمل زيادة الإنفاق على البحث والتطوير، وتقديم الحوافز لتشجيع الابتكارات الخضراء فى مجال الزراعة، ومن المفترض أن يشمل ذلك ثلاثة مكونات، تتضمن (توسيع وتحسين أنظمة الرى التى تختلف حسب الاحتياجات لكل المناطق- وتحسين تربية الماشية وتحسين الممارسات من أجل زيادة الإنتاجية وخفض الانبعاثات لكل وحدة من وحدات الإنتاج- وخدمات الإرشاد وتدريب المزارعين لتبنى ممارسات محسنة وزيادة إنتاجية المزرعة). والحد من إهدار الطعام، ويستهدف هذا البرنامج تحقيق خفض بنسبة ٢٥٪ فى جميع الدول من خلال الاستثمار فى تحسين التعامل مع المنتجات داخل وخارج المزرعة وصولًا إلى مستوى البيع بالتجزئة.