مصراوي

2025-02-23 19:45

متابعة
المكان والإنسان في صعيد مصر

الصعيد لغة كما أورد المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار" هو المرتفعُ من الأرض، وقيل: هو الأرض المرتفعة من الأرض المنخفضة، وقيل أيضًا: الأرض الطيبة، وكل تراب طيب، ومنه صعيد مصر. وذكر المقريزي أن تسمية صعيد مصر بهذا الاسم جاءت بعد الفتح العربي ودخول الإسلام إلى هذه البلاد، وقد سماها العرب بذلك لأنها جهة مرتفعة عما دونها من أرض مصر.

وأعترف أن الكتابة عن صعيد مصر (المكان والإنسان)، هي كتابة عن همنا الشخصي، وعن صعيدنا الجاني علينا والمجني عليه. الصعيد الساخطون عليه والفارون منه، والعاشقون له ويملؤنا دائمًا الحنين إليه. وهي كتابة أيضًا عن حلمنا بواقع اقتصادي واجتماعي وثقافي مختلف في الصعيد يجعله حاضنة حميمة لأبنائه وليس بيئة فقيرة قاسية طاردة.

وعلى مدار التاريخ المصري القديم والحديث، تميز الصعيد بخصائص جغرافية وطبيعية أثرت في حياة شخصية وطِبَاعُ وثقاف، وفي تكوينهم النفسي والروحي والعقلي؛ فالصعيد البعيد النائي، القريب من السماء الصافية بارتفاع أرضه، الفقير في موارده الاقتصادية والثقافية قد أتاح دومًا لبعض أبناءه فائضًا من الوقت، دفعهم إلى الخروج من أسر فقر وضيق الواقع وتناقضاته، بطلب العلم والقراءة، والتأمل والتفكير العميق في وضعية الإنسان على الأرض، وعلاقته بالله والمجتمع وكل ما حوله.

وكان لا بد أن تنطلق مع طول هذا التأمل تجربة دينية وفلسفية، وحس درامي وشعري يختلف في درجة عمقه والتعبير عنه من إنسان لآخر، ويستهدف محاولة الإجابة على التساؤلات التي تدور في ذهن الإنسان الصعيدي المهتم دائمًا فكرة البطولة والمثل الأعلى، المشغول بالبحث عن معنى وقيمة لوجوده، وعن آفاق أكثر إنسانية لحياته، وعن تحقق أكثر فاعلية لذاته وقدراته وأحلامه.

ويُمكن أن نجد في تلك القراءة لخصوصية المكان وعلاقة الإنسان به في صعيد مصر تفسيرًا لكثرة الأدباء والشعراء ورجال الدين والفكر العظماء الذين أنجبتهم هذه الأرض الطيبة، وكيف جاءت إبداعاتهم وأفكارهم مسكونة برؤية تجمع بين التأمل الفلسفي، والحس الديني الصوفي العميق، والرغبة في الإصلاح الدنيوي، والانشغال بهموم الإنسان ومعاناة البسطاء، وبكل ما ينبغي أن يكون.

وقد عبر الشاعر الراحل أمل دنقل (١٩٤٠ – ١٩٨٣) عن هذه الخصوصية والرؤية والروح والأحلام عند الإنسان الصعيدي، فقال:

الجنوبي يا سيدي يشتهي أن يكون الذي لم يكنه

يشتهي أن يلاقي اثنتين:

الحقيقة والأوجه الغائبة.

ويمكن أيضًا أن نجد في هذه الخصوصية تفسيرًا لكثرة المتمردين والخارجين على القانون في صعيد مصر، والذين يصبحون - في أغلبهم - هكذا عندما يعجزون عن تحقيق ذاتهم ومفهومهم عن الفتوة والبطولة والفروسية في المسار القانوني والاجتماعي الصحيح، وعندما يشعرون بأي شكل من أشكال الحَطَّ من شأنهم، والاستهانة بكرامتهم.

الأخبار المتعلقة

  • الألمعي الذي أراد ان يلمس السماء بعصاه ..!

  • الفيلسوف روجيه جارودي في صعيد مصر

للإطلاع على النص الأصلي
29
0
مشاركة
حفظ

آخر الأخبار

أحدث الأخبار

    أحدث الفيديوهات