مصراوي

2025-03-06 16:45

متابعة
رمضان بين العهدين.. كيف اختلف الشهر في حواري دمشق من حكم الأسد للشرع؟

كتبت- سلمى سمير:

ما بين هلالٍ مضى وآخر أتى، يستقبل أهل الشام رمضان هذا العام بحالٍ مختلف عن الذي اعتادوه لعقودٍ طويلة، وذلك بعد سقوط نظام حزب البعث في سوريا في 8 ديسمبر الماضي. يعيش أهل دمشق، تحديدًا، تغييرًا غير مسبوق، يلقون به وراء ظهورهم أعوامًا من العزلة التي فرضها عليهم نظام الأسد، حيث اختبروا حياةً مغايرة تمامًا لتلك التي ينتظرونها هذا الشهر.

في الماضي لم تكن زهراء ابنة مدينة دوما -في ريف دمشق- تستطيع أن تسير آمنة الجانب كما هو الحال الآن دون أن يوقفها عناصر الأمن في أقرب نقطة تفتيش تكشف فيها عن وجهها لارتدائها "النقاب" والتي كانت تنتهي بها بالوقوف لساعات عند الحاجز الأمني للخضوع إلى تحقيق عناصر الأمن، أما الآن ليس بين خروج زهراء لدمشق -معقل النظام السابق ذاته- أي حاجز يردعها عن السير بحرية.

طريقة اللباس لم تكن بمنأى عن القمع، حيث واجهت زهراء تضييقًا شديدًا بسبب ارتدائها للنقاب، حيث كانت تُجبر على كشف وجهها عند كل نقطة أمنية، والتي يتحفظ عليها الضباط فيها حتى يشاؤوا إطلاق سراحها. أما داخل المعتقل، الذي احتجزت فيه دون تهمة واضحة فكان الوضع أشد سوءًا، إذ تعرضت لتحرشٍ لفظي من المحققين، الذين كانوا يسخرون من تغطيتها لوجهها، بل ودفعوها إلى خلعه بالقوة.

في الماضي وقبل سنوات قليلة احتُجزت زهراء 39 عاما، إلى جانب نساءٍ أخريات، بعد أن وُجهت إليهن تهم كافية لإبقائهن داخل معتقلات النظام مدى الحياة، وذلك بعد القبض عليها أثناء زيارتها لزوجها الذي اعتقل هو الآخر من قبل عناصر الأمن أثناء مروره في أحد شوارع دمشق، بعدما أوقفه عناصر أمن النظام، ليجدوا في هويته أنه سني، وليس علويًا كما هو حال الطائفة التي كان ينتمي إليها النظام الحاكم المتمركز في دمشق.

"السنة من المغضوب عليهم"، هكذا وصفت زهراء، خلال حديثها لـ"مصراوي"، حياتها في دمشق خلال عهد النظام السابق، حيث اعتادت على التدقيق والتضييق في أبسط الأمور مع اتباع النظام لنهج الطائفية. كان عناصر الأمن يجبرونها، هي وسواها، على النزول من السيارة في كل نقطة تفتيش، فقط ليتحققوا من خانة الديانة في هوياتهم. فإذا وجدوا شخصًا سنيًا، عرقلوا طريقه، بينما يُسمح لغيرهم بالمضي دون تعطيل، وهو الوضع الذي لم يعد له وجود في الوقت الحالي بحسب زهراء التي لم تعد تشهد أي حوادث من هذا النوع.

لا يعتبر التضييق الأمني شيء تحمل زهراء وغيرها همه في الوقت الحالي بعد انتهاء الحرب المستعرة ضد السنة من قبل النظام العلوي، لكن فترة اعتقالها في سجون الأسد محفورة بذاكرتها بدءا من سطل الماء البارد الذي يرش على جسدها كل يوم في الصباح دون التمييز بين الصيف والشتاء الذي تضاعف فيه المعاناة بفتح فتحة تهويةٍ في سقف الزنزانة خلال الشتاء، لتسرّب الهواء البارد إلى الداخل.

رمضان هذا العام له طعم خاص بالنسبة إلى زهراء لا سيما وأنه في دمشق وبلا معتقلات التي شهدت فيها كيف يكون الصيام برمضان، فآخر هم النظام السابق صيام السنة داخل السجون، إلا أن ذلك لم يحول دون صيام زهراء مع إخفائها للطعام الفاسد الذي كان السجانون يقدموه لها داخل الزنزانة حتى لا يستطيعوا رؤيته لحين يأتي موعد الإفطار فتخرج ما خبأته وتكسر صيامها.

اعتقال زهراء وزوجها في آن واحد ترك أطفالها الأربعة دون معيل في منزلهم بدمشق للحد الذي دفع جدهم الذي قارب على الثمانين عاما للبدء بأوراق إيداعهم بملجأ للأطفال مع عدم استطاعته على رعايتهم بسبب تقدمه بالسن، إلا أن خروجها بموجب صفقة تبادل مع المعارضة السورية وقتها حال دون تشرد أطفالها.

أبرز ما يميز رمضان هذا العام هو اختفاء الحواجز بين زهراء وبقية أفراد عائلتها وعائلة زوجها اللذين كانوا في مدينة دوما التي فرض عليها النظام السابق حصارا شديدا حتى تمكن من اقتحامها عام 2019 وهو ما إن خرجت زهراء من المعتقل حتى وجدتهم قد تركوا المدينة ونزحوا للشمال في مدينة إدلب وحلب.

موقف نظام الأسد من إدلب وحلب ليس بالخفي عن أي شخص مع اتخاذ المعارضة من المدينتين في الشمال معقلا لها وهو ما بدوره تم وضع جميع من يعيش في تلك المناطق في خانة المطلوبين أمنيا أي ما يعني انقطاع كل الاتصالات بينهم وبين أقاربهم في مناطق النظام ولو حتى عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت مراقبة من قبل حزب البعث، وهو الوضع الذي فرق عوائل كثيرة في سوريا لحين سقوط نظام الأسد الذي سقطت معه الحواجز بين العائلات.

مع تحسن الأوضاع الأمنية ولم شمل عوائل كثيرة، إلا أن ذلك التحسن لم يطل الجانب الاقتصادي الذي كان حاضرا بقوة على مائدة رمضان هذا العام، والذي حرم أسر كثيرة من توفير مائدة اعتادوها في شهر الصيام لوقت طويل، وهو ما تشكوه زهراء في أبسط الأشياء بدءًا من أسعار الحبوب وصولًا لأسعار الغاز والبنزين.

رغم مساوئ النظام السابق التي كانت لا تحتمل بالنسبة لزهراء إلا أن الوضع الاقتصادي قالت إن كان في السابق أفضل نسبيا مقارنة بالوقت الحالي، وهو ما دلل عليه أكثر شيء سعر أسطوانة الغاز التي كانت تشتريها زهراء بواسطة البطاقة الذكية بـ20 ألف ليرة قبل سقوط الأسد بينما كانت تباع في السوق السوداء بـ200 ألف ليرة أما الآن فأصبح سعر الأسطوانة الرسمي 200 ألف ليرة وهو ما يضع عبئا كبيرا على كاهل الأسر.

رمضان بين العهدين

ومن دمشق إلى ريفها، حيث يعيش عدنان، الذي روى لـ "مصراوي" كيف اختلفت أجواء رمضان في دمشق بين عهدي الحكومة الحالية ونظام الأسد الذي شهدت حقبته ارتفاعا عاليا في أسعار السلع الغذائية، فيقول عدنان في حديثه لمصراوي إن رمضان في عهد الأسد كان "فاجعة" للسوريين بسبب الغلاء وقلة الدخل.

كان التجار محتكري السلع الغذائية -المقربين من النظام- يجدون في رمضان فرصة لرفع الأسعار وفق هواهم معتمدين بذلك على اعتماد غالبية الحاجات في رمضان على الناحية الغذائية بحكم طبيعة الشهر وهو ما كان يضع عبئا كبيرا على كاهل أرباب المنازل في تدبير أساسيات منزلهم.

غلاء السلع لم يكن الأزمة الوحيدة في الناحية الاقتصادية ففضلًا عن غلاء الأسعار سلع كثيرة لم تكن متوفرة عل أبرزها المازوت والبنزين والذي أصبح بالإمكان الحصول عليه في الإدارة الجديدة بحسب عدنان بعدما كانت أسعارها مرتفعة وغير موجودة.

على عكس زهراء يرى عدنان أن الوضع الاقتصادي حاليا أفضل بكثير مقارنة بعهد الأسد، يقول عدنان الذي كان قد ترك سوريا بعد اندلاع الثورة بسنوات، إن المشكلة الأساسية تكمن في أن الناس لا يملكون المال الكافي لشراء المستلزمات، مع خسارة كثيرون لأعمالهم، وتسريح بعض الموظفين بعد أن كانوا يتقاضون رواتب دون العمل فعليًا في ظل النظام السابق، مشيرا إلى أن ذلك التغير في إدارة الأعمال والوظائف جاء مع بدء الإدارة الجديدة لعملية إعادة هيكلة لمعرفة من يستحق البقاء في وظيفته ومن لا يستحق.

يعيش أصحاب الأعمال الحرة حاليا وضع آمن اقتصاديا يستطيعون فيه التعامل بأريحية مع الجهات الحكومية فضلا عن سهولة عملية البيع والشراء، وهو ما لم يكن متوافرًا في السابق بحسب عدنان -صاحب عمل حر- مع اتباع الدوريات الأمنية لأسلوب "التشليح والسلبطة" بحسب تعبيره وذلك في التعامل مع التجار.

يقول عدنان إن دوريات النظام السابق التابعة للأفرع الأمنية المختصة بالناحية التجارية خلقت حالة من عدم الأمان الاقتصادي لدى التجار من خلال مرور عناصر الأمن والدوريات التابعة لهم في رمضان من أجل الحصول على "الإتاوة" دون وجه حق باعتبار أن عملية البيع والشراء تكون منتعشة في رمضان.

الوضع الاقتصادي لم يكن سيئًا طوال الوقت في عهد الأسد ولكن ذلك في فترة ما قبل الثورة حيث كانت الأوضاع مستقرة نسبيا بحسب عدنان، ولم يكن لحالة الغلاء المعيشي المتواجدة حاليا أثر حينها. عام 2010 كان سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار من 47 إلى 50 ليرة مقابل الدولار الواحد، أما الآن فوصل سعر صرف الدولار مقابل الليرة نحو 15 ألف ليرة، وذلك بعد مرور العملة بمراحل من الانهيار أوصلتها للوضع الحالي بدأت بفرض العقوبات الغربية على النظام السوري وارتفاع تكلفة الحرب والتدخل العسكري الروسي و تقلص إنتاج النفط وغيرها الكثير.

بعد سقوط الأسد يستطيع السوريون في الخارج العودة إلى بلادهم دون حمل عواقب أشياء كثيرة أهمها دفع بدل الجيش بالنسبة للشباب، وهو ما كان قديما فلم تكن العودة للوطن مرة أخرى بالأمر السهل سابقا، وهو ما دفع عدنان في سبيله نحو 10 آلاف دولار لجيش النظام السوري وذلك فدية عن حاله لعدم خضوعه للخدمة العسكرية "لم يكن هذا الجيش ولا الدولة بأكملها تمثلني" يحكي عدنان شرف الذي تحدث عن تعمد النظام لرفع بدل الخدمة العسكرية على الشباب في مقابل عدم الانضمام إليه.

مجاعة دوما

كان الحال بالنسبة لأيمن حمود -من أبناء مدينة دوما في ريف دمشق- اسوأ في السابق، مع إطباق النظام حصارًا خانقًا على معقل الثوار وإكمال ذلك بقصفهم بالبراميل الكيماوية المحرمة دوليًا والتي أسفرت عن عدد كبير من القتلى غالبيتهم من النساء والأطفال وذلك بحسب بيانات الدفاع المدني السوري.

رمضان هذا العام يختلف كل الاختلاف بالنسبة لأيمن الذي استطاع أخيرا دخول دمشق دون التواري أو الاختفاء وذلك مع امتلاكه سجلا ثوريا في دوما كفيل بأن يضعه قيد الاعتقال فور دخول دمشق، وهو ما ظل على إثره منفيا خارج العاصمة حتى سقوط الأسد.

تحولت دوما إلى مدينةٍ أشباح في عهد الأسد فأصبحت بلا بضائع أو بائعين، لتبدأ مجاعة فتكت بأرواح كثيرين، ودفعت بغيرهم مثل أيمن للوقوف في طابور قوامه المئات من أجل شراء علف المواشي لكن ليس من أجل الحيوانات وإنما من أجل الأكل الآدمي في ظل انعدام كل مظاهر الحياة بشكل تام فحتى أبسط مقومات الحياة لم تعد بالإمكان الحصول عليها.

دفعت مجاعة دوما أيمن حمود وغيره كثيرين لأكل الخبز الفاسد وذلك بعد إزالة العفن من عليه من أجل سد قرقعة بطونهم والتي أعادت لأذهانهم وقت الشدة المستنصرية في قديم الزمان حيث باع صديقه سيارته لشخص من أجل الحصول على كيلو من الأرز، إلا أن ذلك لم يدفع أيمن للاستسلام حيث تعاون الشاب مع الثوار حينها وقاموا بحفر أنفاق من دوما في ريف دمشق إلى دمشق للحصول على المواد الغذائية والأدوية للمرضى.

في الماضي عمل أيمن رفقة أصدقائه في مجال الإغاثة من أجل توفير الحاجات الأساسية للناس فكان أصدقاء لهم يقومون بجمع الأموال من خلال حملات تبرعات ويرسلوها لهم ومن ثم يقوموا هم بالذهاب من خلال الأنفاق لشراء البضائع التي كانت عالية الثمن وغير متوافرة كلها مثل أدوية مرضى السرطان التي ذهب لشرائها من أجل جارته المريضة التي توفيت بعد فترة. أما الآن فعمل أيمن تغير كليا مع حصوله على وظيفة جديدة في العمل الحكومة ضمن الإدارة السورية الجديدة في دمشق.

لم يتخيل أيمن أن يستطيع دخول دمشق رمضان هذا العام، كونه كان من المطلوبين أمنيا لنظام الأسد وذلك بعد دخول النظام السابق لدوما بعد حصارها، حيث بدأت الجهات الأمنية في ملاحقة كل من شاركوا بالثورة وكان أيمن واحد من المطلوبين وهو ما ظل على إثره هاربا من قوات النظام لحين دفع مبلغ ماليا حتى لا يتم اعتقاله لكنه مع ذلك لم ليستطيع دخول دمشق في مركزها والعمل فيها كما هو وضعه الحالي بعد رحيل الأسد الذي كان إيذانا لكثيرين مثل أيمن وغيرهم لدخول دمشق والعمل فيها والالتقاء بعوائلهم بعد مفارقتهم لسنوات.

ومع تغير شهادات كثيرين عن الوضع في رمضان ما قبل وبعد الأسد، إلا أن الجميع اجتمع على أن مظاهر الفرحة والاحتفال والزينة لم تتغير في دمشق لا قبل ولا بعد فلا يزال "سوق العصفورية" في دمشق القديمة بكامل حلته لم يغيره تعاقب الحكومات.

للإطلاع على النص الأصلي
32
0
مشاركة
حفظ

آخر الأخبار

أحدث الأخبار

    أحدث الفيديوهات