يعرف ان الالم هو المسبب الرئيسي وراء قصد الاشخاص لمراكز الرعاية الصحية. ورغم ان الالم هو كلمة تصف شعورا موحدا، بيد ان الحقيقة اكثر تعقيدا. فردة فعل الشخص للألم ودرجة الاحساس به تختلف من مريض الى آخر. وتقترح الدلائل البحثية ان هذا الامر يعتمد على عدة عوامل، ومن اهمها العوامل الجينية. فقد بينت عدة دراسات ان اشخاصا يعانون الحالة المرضية نفسها، وكذلك شدة المرض، يختبرون ويشتكون من درجات متفاوتة ومختلفة جدا من الالم والصعوبات الحركية والنفسية. كما توجد دلائل تقترح ان مقياس نشاط المرض وما يسببه من اضرار نسيجية يمثل متنبأ ضعيفا لدرجة شعور الشخص بالألم. على سبيل المثال، وجدت دراسة ان معظم الاشخاص الذين يظهر التصوير الاشعاعي معاناتهم من خشونة المفاصل لا يختبرون او يشعرون بالألم، بينما تعاني قلة اخرى (لديهم الحالة المرضية عينها) آلاما شديدة، وقد تعيق حياتهم. مما يدل على ان الحالة الفزيولوجية التي تظهرها الفحوصات التصويرية وغيرها ليست دليلا او متنبأ لدرجة شدة الالم والصعوبات التي يعانيها المريض. والاختلافات الفردية نفسها تظهر جلية عند النظر الى الالم الحاد الذي يختبره الخاضعون للعمليات الجراحية نفسها، فنجد انهم يشتكون من درجات متفاوتة ومختلفة جدا من الالم.
وفي دراسة حديثة اجريت على بالغين اصحاء، تم تقييم شدة ما يشعرونه من الالم (مقياس يبدأ بـ0 وينتهي بـ100) عندما يضعون يدهم في وعائين من الماء. الاول يحتوي ماء باردا ببرودة الماء نفسها، والثاني ماء بدرجة السخونة نفسها. لتكشف النتائج تفاوتا كبيرا في درجة شعورهم بالبرودة و السخونة والالم، رغم تشابه درجات حرارة الماء فعليا لدى الجميع. وذلك يتفق مع نتائج دراسات اخرى بينت ان احساس الاشخاص بالألم وتعامله معه وحتى ترجمته له (تعبيره عنه) يختلف بشكل كبير من مريض الى اخر.
هل الألم المزمن أمر جيني؟
يشير الخبراء الى اختلاف الشعور بالألم، وشدته تعتمد على عدة عوامل، مثل: الجنس والعمر والشخصية واختلاف الظروف، مثل درجة التوتر والتعب والمزاج. بيد ان عدة دراسات حديثة تنسب ذلك ايضا الى عوامل جينية، بحيث يمكن القول ان قابلية المعاناة من متلازمة الألم المزمن قد تكون وراثية. فقد كشفت الدراسات الجينية ارتباط جين مع ارتفاع فرصة الاصابة بأربع حالات من الالم المزمن، وهي متلازمة اضطرابات الامعاء والآلام العضلية والعظمية وآلام الحوض وأمراض جفاف العين.
علاج الألم بالطرق الجينية
العلاجات الدوائية المتوافرة لعلاج الالم المزمن ذات اثر محدود للكثيرين، كما ان تناولها يقترن عادة بعدة آثار جانبية كثيرة مثل الادمان ومشكلات هضمية ونفسية وغيرها. لذا، فهناك حاجة الى ابتكار ادوية خالية من الآثار الجانبية لعلاج الالم المزمن ويمكنها ان تقلل او تقي من نوبات الالم المستقبلية. وهذا هو هدف عدة مختبرات بحثية بريطانية. حيث يؤمل ان يتم ابتكار علاجات تعتمد على تأثيرها الجيني وما يسمى بخاصية epigenetic. ومن أمثلتها عقار مثبطاتhistone acetlytransferases. حيث تم اكتشاف دوره في تخفيف الادراك والاحساس بالألم.
نوع الألم
على معالج الألم في البداية أن يحدد نوع الألم: هل هو حاد (مفاجئ) أو مزمن (طويل المدى)
فالألم الحاد يبدأ فجأة، وعادة ما يكون شديدا ويستمر لفترة محددة وقصيرة نسبيا، مثل ألم كسر العظام والحروق والجروح وألم الولادة وغيرها. ومن الممكن ان يستمر الالم الحاد لعدة أشهر، لكنه لن يتعدى 6 اشهر. ويتوقف مع علاج او اختفاء مصدره. ولكن، إن لم يتم علاج مسبب الالم الحاد فمن الوارد جدا ان يتحول الى ألم مزمن ان استمر لفترة تتعدى الاشهر الستة. والالم المزمن غالبا ما يستمر حتى لو تم علاج مصدر الالم وشفي منه. واحيانا لا يكون للألم المزمن سبب فزيولوجي واضح. ومن مسببات الالم المزمن الشائعة: الصداع، ألم اسفل الظهر، آلام السرطان، التهاب المفاصل والخشونة، آلام بسبب تضرر الاعصاب وتلفها. وغالبا ما يرافق الالم المزمن اعراض اخرى مثل شد العضلات وصعوبة الحركة والخمول، وقلة الطاقة وتغيرات في الشهية والاكتئاب، وفرط القلق واضطرابات مزاجية حادية مما يعيق ممارسة الحياة.
الخيارات العقاقيرية
بعد تشخيص مسبب الالم وشدته سيصف لك المعالج العقاقير الملائمة. وتضمن خيارات العقاقير مسكنات ألم كلاسيكية تباع في الصيدليات من دون وصفة طبية؛ مثل اسيتامينوفين والاسبرين والايبوبروفين وغيرها، او عقاقير متخصصة وأكثر شدة تتطلب وصفة طبية مثل العقاقير الستيرويدية والمورفين والكودين وحتى عقاقير التخدير. كما قد يصف المعالج انواعا أخرى من العقاقير مثل مضادات التهابية ومرخيات للعضلات ومضادات الاكتئاب. وقد يستعان ايضا بالعلاجات الخارجية مثل الكريمات ولزقات الجلد التي تحتوي على مسكنات الم ومضادات التهابية ومواد غيرها. وفي جميع الاحوال عليك بمعرفة الاثار الجانبية لما تتناوله من عقاقير، وان كان أي منها يتعارض مع عقاقير تتناولها لأسباب اخرى.
هل تحتاج إلى الجراحة؟
يعتمد قرار الخيار الجراحي على مسبب الالم، فان كان السبب هو حادث سيارة او اصابة شديدة تسببت في كسر عظم او انزلاق فقرات الظهر الحاد، فقد تحتاج الى الخضوع لعملية جراحية بشكل سريع. ولكن ان كان السبب هو الاصابة بألم مزمن او حالة غير خطرة يمكن علاجها بطرق اخرى غير الجراحة، فسينصحك المعالج بإجراءات اقل تدخلا جراحيا مثل عمليات التدخل المحدود (التداخلية) التي تتم عبر القسطرة الجراحية والحقن والمناظير. لذا، عليك بسؤال معالجك حول الخيارات التداخلية المتوافرة والمناسبة.
إستراتيجيات جديدة للألم المزمن
نشر تقرير المعهد الطبي الاميركي للألم IOM الذي نشر في 2011، استراتيجيات وطرقا للوقاية والتعامل وزيادة الوعي حول الالم. واعتبرها من المشكلات الصحية التي لا يقدر اثرها واهميتها الكثيرون. وعرّف ما يسميه بظاهرة الالم، وبخاصة النوع المزمن به وتأكيد كونه ظاهرة معقدة لها جوانب اجتماعية وبيولوجية ونفسية. وعلق د. سين ماكي، رئيس فرع طب الالم في جامعة ستانفورد، قائلا «هدف هذه الاستراتيجيات الطبية هو توفير رعاية متخصصه تركز على رعاية المريض من خلال خدمات عدة تخصصات طبية مؤهلة بما يتناسب مع المريض الذي يشعر بالألم. ويؤمل ان يؤدي ذلك الى زيادة وعي الاطباء بكيفية التعامل ورعاية المصاب بالألم المزمن، سواء اطباء الرعاية الاولية او المتخصصين واطباء علم النفس والعلاج الطبيعي، وان يجعلهم ذلك أكثر استعدادا وفهما لحالتهم المعقدة والمتشعبة».
وقد ادرج التقرير مركز جامعة ستانفورد للتعامل مع الالم كمركز متخصص ومثالي الطراز للتعامل مع الالم، وحصل على اثر ذلك على شهادة الامتياز من جمعية الالم الاميركية. حيث يوفر المركز علاجات تتعامل مع جوانب الالم الاجتماعية والنفسية والفزيولوجية عبر خطة مفصلة، وخاصة لكل مريض على حدة. ومن العلاجات الحديثة التي يوفرها تقنية تعتمد على الواسم البيولوجي للدماغ التي تؤثر في اشارات الالم وترجمة الدماغ لها.
ما أفضل خطة لعلاج الألم؟
العلاج الطبيعي و المهني من الوسائل التي ستخفف الالم و تقلل فرصة الاصابة باعاقة
الاستمرار في الحركة والنشاط أفضل من الخمول والراحة
جرّب العلاجات التكميلية كالإبر الصينية والكايروبراكتيك
الاستشارة النفسية تجعلك تركز على الحلول بدل المشكلة
أنت تعرف ألمك أكثر من أي شخص آخر، وكيف يصعب عليك علاجه والتعامل معه. وخبرتك بالألم هي مفتاح الحل لوضع خطة العلاج المثالية لك. فكل شخص يختبر نوعا مميزا من الالم، لذا فأفضل طريقة للتعامل معه تختلف من شخص الى آخر وفق هذا التميز. فما قد يكون ناجحا لمريض قد لا يناسب مريضا اخر بل وقد يزيد حالته سوءا. لذا عليك ان تشارك معالجك بعدة معلومات عند وضع خطة العلاج، وهي:
– سبب الالم.
– درجة شدته.
– الفترة التي يستمر خلالها.
– ما يخففه أو ما يزيد شدته.
وتوقع انك ستمر خلال عدة تجارب ومناقشات طبية الى ان تصل الى تحديد افضل وسائل العلاج المناسبة لك.