هدف إنشاء الصندوق الوطني للمشاريع الصغيرة وفق القانون، هو «محاربة البطالة وتمكين القطاع الخاص من تحقيق النمو الاقتصادي في دولة الكويت».
لكن كيف يتم تحقيق هذه الأهداف في ظل الشروط التي يضعها الصندوق لدعم المشاريع؟ إذ يتضح لنا أن الصندوق يضع شروطا واحدة لجميع أنواع المشاريع، بينما ان هناك فارقا مهما بين مشاريع: (1) صغيرة وتبقى صغيرة، و(2) مشاريع صغيرة ذات إمكانية ان تصبح كبيرة.
فإن 98% من المشاريع في الولايات المتحدة لن تتعدى 19 موظفا، كما ان المشاريع الصغيرة تساهم في 48% من الوظائف في القطاع الخاص. بالمقابل فإن 1% من المشاريع تصبح كبيرة وتساهم الشركات الكبيرة في 52% من الوظائف في القطاع الخاص. وتختلف صفات ومميزات المشروعين، وبالتالي يختلف التعامل معهما. بناء على ذلك هناك استراتيجيتان مختلفتان لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة:
1ـ التركيز على زيادة عدد المشاريع الصغيرة التي تبقى صغيرة، أي استراتيجية زيادة وليس النمو في الحجم.
2ـ التركيز على زيادة نسبة نجاح المشاريع الصغيرة ذات إمكانية ان تصبح كبيرة، أي استراتيجية النمو في الحجم وليس الزيادة كونها نادرة جدا.
ولكل من هاتين الاستراتيجيتين متطلبات مختلفة تماما. فاستراتيجية كثرة المشاريع الصغيرة تتطلب تمويل عدة مشاريع بمبالغ صغيرة، حتى أن كانت تلك المشاريع توظف كويتيا واحدا (المؤسس) بحكم أن متطلبات العمالة تختلف عند ذلك النوع من المشاريع مقارنة مع المشاريع ذات إمكانية ان تصبح كبيرة. وبالتالي يكون التركيز هنا على تشجيع المبادرين بأن يتفرغوا لإدارة مشروع صغير لأنه قد يوفر امتيازات أفضل من الوظائف الحكومية وإن لم ينم المشروع. ويكون التدريب على السيطرة وتقليل الأخطاء في إدارة المشروع بدلا من التركيز على المخاطرة والابتكار وتوسع المشروع. كما يتطلب ذلك تغيير بعض شروط التمويل، كشرط الا يمتلك المبادر أكثر من مشروع.
أما إذا كان التركيز على تشجيع مشاريع صغيرة ذات قابلية بأن تصبح شركات كبيرة، فإن المخاطرة والابتكار، على سبيل المثال، ذات أهمية أكبر عند تدريب المبادرين في إنشاء هذا النوع من المشاريع.
ويترتب على ذلك ان يقوم الصندوق بإعادة النظر في تعريف المشاريع الصغيرة والمتوسطة وهي ألا تتجاوز أصوله 500 ألف دينار، بالإضافة الى إلزام صاحب المشروع بإيداع ما لا يقل عن 20% من قيمة التمويل، فهذان الشرطان يستبعدان الكثير من المشاريع ذات إمكانية ان تصبح كبيرة. فعلى سبيل المثال، تم تأسيس مشروع بوتيكات في عام 2016 برأسمال 1.5 مليون دينار، واستطاع ان يحقق نجاحا مبهرا. فذلك النوع من المشاريع مثلا لن يتمكن من التقدم للصندوق لطلب التمويل عند التأسيس.
بالإضافة إلى ذلك فإن المشاريع التي تتمكن من تحقيق نمو كبير في حجمها، عادة ما تحقق هذا النوع من التوسع في السنوات الخمس الأولى من إنشائها، وقد تكون من ثم بحاجة الى تمويل بمبالغ كبيرة لتشجيع استمراريتها. رغم ذلك فإن نجاح الشركة قد يكون سببا في عدم قدرتها على الحصول على الدعم من الصندوق لأن أصولها وإيراداتها لا تتماشى مع تعريف الصندوق الحالي.
على سبيل المثال، فخلال أول 3 سنوات من إنشاء شركة (Apple) في عام 1977، كانت أرباح الشركة تتضاعف كل ٤ أشهر، حيث زادت ارباح الشركة من ٧٧٠ ألف دولار الى ١١٨ مليون دولار (نمو ٥٣٣%). رغم نمو الشركة الكبير، حصلت على تمويل من الحكومة الأميركية في عام 1978 لتشجيعها.
وإذا جئنا الى الكويت، أيضا نرى ان هناك نموا كبيرا يحصل في اول 5 سنوات من إنشاء المشروع، مثل بوتيكات وكاريج وغالية و«دبدوب» مؤخرا.
فإذا كان الهدف هو الاستثمار في المشاريع القادرة على أن تصبح كبيرة لتشجيع نموها، ولا يجوز تعريفها وحصر تكلفة المشروع وإيراداتها بنفس معايير المشاريع الصغيرة التي تبقى صغيرة. لاسيما ان التمويل خلال فترة نمو المشروع (أول ٥ سنوات من إنشاء المشروع) وان كان بمبالغ كبيرة، من أهم مراحل التمويل، حيث انه يساعد المشروع على الاستمرار واجتياز الخمس سنوات الأولى.
وهنا يجب التوضيح بأنه لا مانع من الاهتمام بكل أنواع المشاريع الصغيرة، بل من الخطأ التركيز فقط على المشاريع ذات الإمكانية للنمو كونها أهم مصدر لخلق فرص وظيفية جديدة، لأن المشاريع الصغيرة التي تبقى صغيرة أيضا توظف الكثير من العمالة بحكم كثرتها وإن كانت مساهمة كل مشروع بسيطة، إضافة الى ذلك ان تلك المشاريع توفر استقرارا أكبر وتساعد في دعم الطبقة المتوسطة.
ولكن من الخطأ جدا معاملة كل المشاريع الصغيرة بنفس الأساليب، لأن ذلك سيؤدي الى قرارات وسياسات خاطئة ولا تحقق الأهداف المنشودة. فتمويل المقاهي والمطاعم والكراجات والصالونات يختلف عن تمويل المشروع الصغير الذي يمتلك إمكانية عالية للنمو كمشروع تكنولوجيا (وهو موضوع الأسبوع المقبل).
ولذلك يجب توضيح تعريف أنواع المشاريع الصغيرة والتمييز بينها، كاستخدام تعاريف مختلفة على حسب مجال الشركة. فإن وضوح التعريف، يساعد على اتباع تدابير مختلفة تماما لكل نوع من المشاريع. وفي دراسة جديدة من جامعة (MIT) تبين ان من الممكن تحديد صفات المشاريع ذات قابلية للنمو منذ التأسيس. لذلك يجب السؤال: ما توجه الصندوق؟