واكي اونلاين

2019-03-01 08:10

متابعة
حوادث مصر - رحلة البحث عن «حقنة بنج».. مستشفيات حكومية ترجئ العمليات الجراحية بسبب نقص المخدر

الواقع اون لاين - ما بين مستشفيات حكومية تشتكى من نقص أدوية التخدير، وصيدليات تشتكى من غيابها كليا، وأطباء يتحدثون عن توافرها فقط فى مكاتب الصرافة وبأسعار تزيد على الـ١٧ ضعفا، توقفت رحلات علاج المئات فى جمهورية مصر.، فى انتظار توافر «حقنة بنج» ضرورية لإجراء عمليات جراحية خطرة تخطو بالمريض باتجاه الشفاء.

«الدستور» حاولت استكشاف أسباب النقص الحاد فى أدوية التخدير، المستخدمة فى العمليات الجراحية فى المستشفيات الحكومية والصيدليات، لتجيب عن سؤال يطرحه آلاف من المرضى، عن مصدر الخطر الذى يهدد حياتهم، وكانت الإجابات الجاهزة التى يطرحها الجميع، عن كيان غامض اسمه «مكاتب الصرافة»، أو «توقف الشركات عن التصدير»، أو «ارتفاع الأسعار». 

زينب: انسداد فى شرايين القلب.. والعلاج مؤجل

«كنت أعمل ليل نهار، حتى بدأت أشعر بضيق شديد فى النفس، وزيادة فى سرعة ضربات القلب،. كنت أظن أنه مجرد إرهاق، لكن حالتى ساءت أكثر، فضغطت علىَّ بناتى للذهاب إلى المستشفى، للاطمئنان علىّ، وهذا ما كان»، هكذا بدأت زينب السيدة، امرأة خمسينية من مدينة الدقهلية، حديثها عن مرضها.

تكمل زينب: «الدكتور شخّص حالتى، بعد الفحوصات والأشعة، بأننى أعانى من الروماتيزم وانسداد فى شرايين القلب، ونصحنى بإجراء عملية جراحية فى أقرب وقت، وكتب روشتة مليئة بأسماء الأدوية لتناولها كعلاج، وأخبرنى أنه فور الانتهاء من العلاج سيحدد موعدا لإجراء العملية». بعد انتهاء العلاج، كما تضيف زينب، عادت إلى الطبيب لتحديد موعد العملية كما وعدها، لكنه أخبرها بعدم إمكانية إجراء العملية فى قصر العينى حاليًا، لأن «البنج» غير متوفر، مؤكدا لها أن هناك نقصا فى أدوية التخدير بشكل عام.

إبراهيم: «أبوالريش» أجَّل جراحة ابنى منذ أشهر

من الواحات الخارجة فى الوادى الجديد إلى مستشفى أبوالريش للأطفال، جاء مصطفى إبراهيم، ذو الـ١٠ سنوات، فى ديسمبر الماضى، برفقة والديه لإجراء عملية جراحية فى القلب، بسبب إصابته بضيق فى الشرايين، لكنه لم يدخل غرفة العمليات حتى الان هذا "اليوم". كان الأب يتحدث قلقا من صعوبة العثور على الأدوية التى سيحتاجها ابنه بعد إجراء العملية، وارتفاع ثمنها لكنه سرعان ما صدمه الطبيب، حين أخبره متأسفًا بتأجيل العملية، لعدم توافر مادة التخدير فى المستشفى. يقول الأب إنه لم يتوقع أن يخبره الطبيب بنقص البنج، «الذى يعتبر وجوده كالحياة تماما، ولا ينبغى أن تخلو منه غرف العمليات، ولهذا فإن نقصه يعتبر كارثة كبرى لا يمكننا أن نصمت عنها، فحياة أحدهم قد تكون متوقفة عليه»، حسب قوله.

يتابع إبراهيم لـ«الدستور» «ابنى يحتاج لإجراء عملية ضرورية وخطيرة منذ ٨ أشهر كنت متخوفا من نقص الأدوية المطلوبة بعد إجراء العملية، لكننى الآن متخوف لعدم وجود أدوية ما قبل العملية وما بعدها».

عمر: ذراعى فى خطر.. والشفاء متوقف على «البنج الكلى»

بسبب حادثة مرورية، فقد عمر إحساسه بذراعه اليمنى والتحكم فيها. فالشاب الذى يبلغ من العمر ٢١ عاما، ويعمل سائق نقل، يكاد يكون فقد ذراعه فى تصادم سيارتين، لكنه لايزال محتفظا بابتسامة هادئة مليئة بالتفاؤل، على العكس من والده.

الأب والابن وقفا سويا فى طرقات مستشفى أسيوط الجامعى، فى انتظار طبيب يتولى فحص الذراع المصابة، ويحدد موعدا لإجراء عملية جراحية ضرورية لها.

يحكى عمر: بعد الحادثة مباشرة أصبت بنزيف حاد وقطع فى شرايين الذراع والأوردة والأعصاب، وتوجهت إلى مستشفى أسيوط الجامعى، وأجريت عملية جراحية، لكننى لم أستطع بعدها تحريك الذراع، وقال الأطباء إنهم حاولوا إنقاذها بكل السبل.

يكمل عمر أنه، وفى ١٨ فبراير الماضى، أخبره الطبيب المشرف على حالته بضرورة إجراء عملية ثانية فى الأعصاب ليتمكن من تحريك ذراعه، لكنه سيضطر لتأجيلها، لأنها عملية كبيرة وخطيرة، وجسمه لن يتحمل إجراء عمليتين متعاقبتين.

تم تحديد موعد آخر لإجراء العملية، واستعد لها عمر، لكنه فوجئ بطبيبه يخبره بأنه لن يتمكن من إجرائها فى الوقت الحالى، لأنه لا يتوافر فى المستشفى إلا «البنج» الموضعى، بينما حالته تستدعى الكلى.

وتفاديًا لفقدان ذراعه، اقترح الأب على الطبيب المعالج السفر إلى القاهرة لإجراء العملية الثانية، ووجههم الطبيب إلى مستشفى أبوالريش، وبعد انتظار ٤ أسابيع، أجرى له الأطباء أشعة رنين، ثم قرروا تأجيل العملية إلى موعد لاحق، لعدم توافر «البنج» اللازم لإجراء الجراحة، معربا عن أمنيته فى توفيره، لأن «العملية لا تحتمل التأخير وإلا أستعوض ربنا فى دراعى»، بنص تعبيره الحزين.

نور.. من الوادى الجديد إلى القاهرة دون فائدة

فى أحد ممرات مستشفى قصر العينى القديم، وقفت «نور السيد»، ممسكة بيدها دمية صغيرة تبتسم لها بين الحين والآخر، بينما تقف بجوارها أمها «عزة»، وبيدها فحوصات وتقارير طبية وأشعة، وعلى ملامحها الغضب واليأس، تتحدث بصوت عال لافت للانتباه، قبل أن تتحرك بطفلتها إلى غرفة الاستعلامات، لتسأل عن مكتب الطبيب المختص بحالة ابنتها.

تحكى الأم أنها اضطرت للانتقال بابنتها من الوادى الجديد إلى القاهرة لعلاجها، بعد وفاة الزوج قبل عدة أشهر.

تسرد السيدة قصة علاج ابنتها، التى بدأت يناير الماضى بحالة إغماء غامضة دون مقدمات، وعندما توجهت بها إلى مستشفى الداخلة، حيث نجحوا بصعوبة فى إفاقتها، ليطلب منها الطبيب التوجه إلى مستشفى أسيوط الجامعى، مرجحا أن الطفلة تعانى مشكلة فى القلب.تضيف الأم أنها فوجئت بحديث الطبيب، ورغم ذهولها استمعت جيدا إليه، وتوجهت من فورها إلى مستشفى أسيوط، ومعها ورقة التحويل التى أعطاها إياها. وتتابع: عند وصولى المستشفى شرحت لهم الحالة، فطلب منى طبيب يدعى أحمد عيسى، إجراء رسم قلب وأشعة سونار وفحوصات أخرى، حيث اتضح أنها تعانى من ضيق الشرايين وتحتاج لإجراء عملية على الفور، فطلبت منه أن يحدد موعدا لإجراء العملية، فأخبرنى أن هناك مشكلة فى نقص أدوية التخدير التى تستخدم بعد الإفاقة.

اقترح الطبيب، كما تحكى الأم، التوجه بالطفلة إلى مستشفى قصر العينى بالقاهرة، لتنتقل السيدة بابنتها إلى العاصمة فى أبريل الماضى، ومازالت تنتظر دورها فى العلاج وإجراء العملية.

الصيدليات: «مفيش.. مختفى.. مش لاقيينه»

حاولت «الدستور» العثور على مصل «الديبريفان» فى الصيدليات، لكن تراوحت ردود الصيادلة ما بين القول: «دا ناقص بقاله شهور»، و«مفيش المادة الفعالة للدوا»، و«مش موجود».فى صيدلية «العزبى»، كان الرد: «متوفر بكميات قليلة، وفى فروع قليلة جدًا، منها فرع قصر العينى». وفى صيدلية «محمد محمود»، قال الصيدلى: «هذا النوع من الأمبولات به نقص شديد، وقد لا يتوافر نهائيًا، لكن يمكن العثور عليه فى الصيدليات الكبرى، رغم أنى على يقين أنه شبه منعدم فى الأسواق».

أما صيدلية د. خيرت، فأكدت انعدامه من الأسواق، وفى صيدلية «هانى القوشى» قالوا إن به نقصًا شديدًا، ويكاد يكون منعدمًا. وفى صيدليتى «فيكتوريا» و«د. صفوت قابيل»، كان الرد متطابقا: «مفيش»، إلا أن صيدلية «ماجد قنديل» بالقرب من محطة سعد زغلول، أكدت أن هذا النوع من الأدوية متوافر لديها على هيئة أقراص فقط، بسعر ١٨ جنيهًا.

نسبة النقص تصل إلى 50%

فى مستشفى قصر العينى، قال أحد موظفى الصيدلية، ويدعى عبدالرحمن، إن مشكلة نقص الأدوية ليست مقصورة على عقاقير التخدير، بل هناك أنواع كثيرة اختفت من الأسواق بسبب الاعتماد على المستورد.

وفى مستشفى أبوالريش، أكد الدكتور أحمد، وهو إخصائى تخدير، وجود نقص حاد فى أدوية التخدير مثل عقار «ديبرفان» الذى يستخدم بصورة أكبر مع الأطفال، لافتا إلى اختفائه أيضا من الأسواق، ما يهدد حياة المرضى، كاشفًا عن وجود تعليمات لبعض المستشفيات باستخدام كميات قليلة من البنج ليكون نصفيًا بدلًا من كليًا، على حد قوله.

وتابع الطبيب أن أدوية التخدير المستخدمة فى أجهزة التنفس لم تعد كافية على الإطلاق، مشيرا إلى أن احتياجات المستشفى تصل إلى ٥٠٠ أمبول أسبوعيا، بينما الكمية المتاحة تضاءلت ٢٠٠ أمبول فى الشهر كله،وشدد الطبيب على وجود قصور فى توفير نواقص الأدوية، ومنها الثايوبنتال، والديبريفان، وفوريوفول، وتربكيم، الذى يؤدى إلى بسط العضلات أثناء العمليات الجراحية، موضحًا أن نسبة النقص فى أدوية التخدير وصلت ٥٠٪.

وإلى مستشفى الجلاء، حيث قال الدكتور «هـ.أ» إخصائى التخدير، إن المريض الخاضع لعملية جراحية يحتاج لمخدر كلى هو حقن «الثايوبنتال» أو «ديبريفان» أو «بروبوفول»، وجميعها يعانى نقصًا فى السوق بشكل كبير، وفى مستشفى إمبابة العام، أكد الدكتور عادل عبدالستار، استشارى التخدير، أن «الديبرفان» أساسى فى عمله داخل غرفة العمليات، موضحا أنه كان يباع فى المستشفيات الحكومية بـ١٩ جنيهًا، لكنه وصل فى مكاتب الصرافة إلى ١٣٠ جنيها، وليس له بديل سوى «إنترافال»، لكنه أيضًا «شاحح» وارتفع سعره من ٥ جنيهات إلى ٨٥ جنيها.

مصادر: 3 شركات تتحكم فى سوق الدواء

كشفت مصادر طبية عن وجود عجز فى أدوية التخدير النصفى وبنج الأسنان، واختفاء أدوية الإفاقة تماما، بسبب توقف الشركات المستوردة وعجزها عن الاستيراد بعد ارتفاع أسعار الأدوية. 

وأشارت المصادر إلى أن شركة نوفارتس السويسرية، التى يبلغ حجم أعمالها 3.5 مليار دولار، تحتكر نحو 7٪ من سوق الدواء فى جمهورية مصر.، وكذلك شركة فايزر الأمريكية التى وصل إجمالى أعمالها إلى 3 مليارات دولار، فيما تحتكر شركة نوفو الدنماركية تصدير دواء الأنسولين إلى جمهورية مصر..

للإطلاع على النص الأصلي
0
0
مشاركة
حفظ

آخر الأخبار

أحدث الأخبار

    أحدث الفيديوهات