وسط زحام الحياة اليومية، كان عبدالمجيد محمد عبدالمجيد، عامل المصنع البسيط، يعيش كأي أب يحلم بمستقبل أفضل لأبنائه. بين عمله الشاق ورعايته لأسرته، لم يكن يعلم أن زيارة عابرة لشقيقه ستكتب النهاية المأساوية لحياته. تفاصيل الحادثة التي وقعت في منطقة شبرا الخيمة أثارت حالة من الصدمة والذهول على عائلة المجني عليه وجيرانه وأصدقائه، جعلتهم لا يصدقون رحيلة في غمضة عين.
دفع الثمن حياته لينجو أخيه
«عبدالمجيد»، 42 عامًا، كان مثالًا للرجل المكافح الذي نذر حياته لرعاية أسرته. عمل في مصنع بالتجمع الخامس ليؤمن حياة كريمة لأبنائه؛ محمد، 15 عامًا، ورضوى، 17 عامًا، والتي كان يصفها بـ«عروسة البيت». كان الأب الودود يعوض أسرته عن كل صعوبة تواجههم بحبه ورعايته، واحتفظ بمكانة مميزة لدى والدته ووالده، اللذين كانا يعتمدان عليه في تدبير شؤون الأسرة.
في ذلك اليوم المشؤوم، كان «عبدالمجيد» في طريقه لزيارة شقيقه «عمرو»، الذي يواجه خلافات زوجية مع زوجته «فاطمة.ج». الخلافات التي استمرت لشهرين، وصلت إلى نقطة الغليان عندما عادت الزوجة إلى منزل «أبوالعيال» برفقة أشقائها السبعة، مسلحين ومستعدين لتصفية حساباتهم. تصاعدت الأمور إلى اشتباك عنيف بين «عمرو» وأشقاء زوجته، وحينها حضر «عبدالمجيد» ولم يتمكن من حماية شقيقه، فدفع الثمن حياته لينجو أخيه من موت محقق.
أحد أشقاء الزوجة، وفقًا لشهادات شهود العيان، طعن «عبدالمجيد» في صدره بـ«مطواة»، بينما شارك الآخرون في الاعتداء عليه بالضرب المبرح. حتى «فاطمة» الزوجة نفسها، كما أفاد شهود، شاركت في الاعتداء باستخدام أدوات منزلية.
المجني عليهلازم ياخدوا جزاهم
زوجة «عبدالمجيد»، التي تلقت نبأ وفاة زوجها، لم تستطع تحمل الصدمة، وبدت في حالة انهيار تام خلال حديثها عن الحادثة. تحدثت والدموع تغمر وجهها: «كان كل حياتي وحياة أولادي، عبدالمجيد كان سندنا، مكنش لينا حد غيره، أزاى هيقدر ابني محمد يستوعب إن أبوه مش هيرجع؟ وكيف هكمل حياة من غيره؟».
أضافت الزوجة بحزن شديد: «مكنش ليه ذنب في اللي حصل، كل اللي عمله إنه حاول يساعد أخوه، وبدل ما يحموا أخوه، اتقتل قدام عنيهم. حياتنا انتهت من بعده».
والدا «عبدالمجيد» بدورهما لم يستوعبا الفقد. الأب تحدث بحرقة: «ابني كان غلبان، ما بيأذيش حد، كان دايمًا في خدمة الناس، يومها قالي إنه رايح يزور أخوه وبعدها مشي. ما عرفتش إنه رايح يموت».
الأم، التي لا تكاد ترفع عينيها من على صورة ابنها الراحل، أضافت: «كان الكبير، وعمري كله، كان بيراضيني وبيساعدني، حجز لي عند الدكتور قبل ما يمشي، وما رجعش بعدها. اللي قتلوا عبدالمجيد لازم ياخدوا جزاهم».
أم وشقيق المجني عليهمش هنقدر نرجع عبدالمجيد
أطفال «عبدالمجيد»، محمد ورضوى، يواجها الآن واقعًا جديدًا دون أبيهم. «محمد»، الذي اعتاد أن يرى والده كمصدر أمان، يقف صامتًا أمام أصدقائه، يحاول فهم معنى الفقد. أما «رضوى» التي كانت تتحدث عن أحلامها وتخطط لمستقبلها بمساعدة والدها، فبدت كأنها توقفت عن الحلم.
الشرطة تحركت سريعًا للقبض على المتهمين الرئيسيين، وهم الزوجة: «فاطمة.ج» وشقيقيها «جمال»، و«خالد»، وتم تسجيل الحادثة كجريمة قتل عمد، فيما كشفت التحقيقات عن نية مبيتة للاعتداء على الزوج «عمرو»، الذي كان «عبدالمجيد» ضحية لزيارته!.
الجريمة وثقت بأدلة قاطعة، منها شهادات شهود العيان وكاميرات المراقبة التي أظهرت تفاصيل الاشتباك.
عائلة «عبدالمجيد» تطالب بالقصاص القانونى العاجل، مؤكدين أن معاقبة الجناة هي الوسيلة الوحيدة لإطفاء نار الفقد. والدته قالت: «مش هنقدر نرجع عبدالمجيد تانى للدنيا، بس حقه لازم يرجع».
آخر زيارته تركت فراغًا خلفه
قصة «عبدالمجيد» ليست مجرد حادثة، بالنسبة إلى جيرانه ومحبيه، بل هي مأساة -حد وصفهم- تحمل في طياتها الكثير من الألم، إذ كان الرجل البسيط الذي تعده أسرته نموذجًا للمحبة والتضحية، لكنه فقد حياته في لحظة غدر.
وكان عبدالمجيد، رغم صعوبة عمله في المصنع، يخصص وقتًا لوالديه وأسرته، ويسعى دائمًا لضمان راحتهم وسعادتهم. لكنه في ذلك اليوم المأساوي، عندما قرر زيارة شقيقه، كانت الزيارة التي ظنها مجرد لحظة للتواصل العائلي، هي آخر لحظة في حياته، في حادث عنف غير مبرر، وفق أسرته، ليترك خلفه فراغًا كبيرًا في الشقة التي كانت مملوءة بحياته وأحلامه.