كتب ـ رمضان يونس:
بينما كان "عبد الرحمن ظاظا" يجهز شقته ويواصل عمله ليل نهار لتدبير احتياجات عرسه الذي كان سيقام مطلع ديسمبر من العام الحالي على محبوبته، عقب خطبة دامت نحو عام، انتظر صاحب الربع قرن من الزمن "ليلة العمر" التي كان سيتوج فيها مع عروسه ملكًا. لكن القدر كان له رأي آخر، إذ أقدمت سيارة "رينج روفر" يقودها شاب لم يكمل عقده الثاني على إنهاء آمال العريس دهسًا أثناء مباشرته عمله في منطقة الشيخ زايد، قبل أيام قليلة من زفافه.
الساعة كانت تقترب من الواحدة بعد منتصف الليل عندما كانت "أم عبد الله" تغط في نومها داخل منزلها المطل على أطراف قرية بني هارون. جاءها اتصال هاتفي لم يستغرق ثوانٍ من خطيبة ابنها الأخيرة "ظاظا"، ظنًا منها أنه يتعلق بالعريس، لكن كلمات الخطيبة صدمت الأم: "في واحد من زمايل عبد الرحمن بيقولي عمل حادثة!". الجملة عكرت صفو الأم، فأطلقت صرخات مدوية، لتضع نهاية مأساوية لحياة ابنها العريس، وبداية حزينة لخطيبته.
صراخ امرأة في منتصف الليل داخل منزل العم "فرج" أفزع "محمد حسن"، ابن الثلاثين عامًا، الذي كان في وهلة نوم. أسرع الأهل إلى منزل "ظاظا"، حيث أخبرتهم "أم عبد الله" أن سيارة دهست "ظاظا" أثناء عمله في شركة توصيل طلبات بحي الشيخ زايد بالجيزة. وقالت الأم: "لمينا رجالة العيلة وجرينا على مصر".
على عجل، توجه "محمد حسن" وأبناء عمومته إلى مدينة زايد حيث وقع حادث دهس "ظاظا"، عامل الدليفري، قبيل فجر الجمعة، على أمل أن يكون العريس بخير. بقي ابن العم أمام مستشفى زايد يناجي ربه، لكن أحد أصدقاء العريس أخبرهم بالخبر الصادم: "عبد الرحمن مات".
يقص ابن العم تفاصيل الحادث قائلًا: إن أصدقاء العريس أوقفوا الطريق وتحفظوا على السيارة بعد هروب قائدها. وأضاف: "الشيف 'ش' حضر ومعه ونش لرفع السيارة، لكن أصدقاء العريس منعوه حتى حضرت الشرطة وتحفظت على السيارة داخل قسم الشرطة بالشيخ زايد".
كان "عبد الرحمن ظاظا" على أتم الاستعداد لعرسه مطلع الشهر الأخير من العام الحالي، بعد خطبة دامت نحو عام. الشاب صاحب الربع قرن من العمر كان قد طلب من مديره إجازة زواج: "كان يأخذ إجازة يوم الخميس اللي جاي!"، ليعيد الدراجة النارية التي يعمل بها في الشركة ويكمل تجهيزات شقته استعدادًا للزواج المقرر في السادس من ديسمبر.
بعد وفاة والده "فرج" قبل نحو أربع سنوات، واجه عبد الرحمن صعوبات في تجهيز شقته في منزل العائلة، فاضطر إلى استئجار شقة تناسب ظروفه في منطقة "الحمرايا"، التي تبعد أمتارًا عن منزله، لتكون مسكنًا مؤقتًا بعد زواجه. كان عبد الرحمن يعمل منذ سبعة أشهر في شركة توصيل طلبات ويكافح ليل نهار لتوفير احتياجاته.
داخل منزل "عبد الرحمن ظاظا"، خيم الحزن على الجميع، وتحولت الأجواء إلى مأساة. في مشهد مهيب، ودّع أهالي قرية بني هارون بمحافظة بني سويف عبد الرحمن فرج، ضحية حادث الدهس، أمس الخميس. وقد وقع الحادث بالقرب من كومباوند زايد 2000 أثناء توصيل عبد الرحمن طلبًا بعد منتصف الليل.
شهد تشييع جثمان عامل الدليفري حضور مئات من أهالي البلدة والقرى المجاورة، وسط صرخات وانهيار أسرة الضحية وأقاربه، بعد صلاة الجنازة عليه في المسجد الكبير. وقد أصدرت النيابة تصريحًا بدفن الجثمان بعد توقيع الكشف الطبي وتحديد أسباب الوفاة. وتمت مراسم الدفن في مقابر العائلة بقرية العلالمة.
وأمرت النيابة العامة بحبس نجل زوجة شيف شهير أربعة أيام على ذمة التحقيقات، مع عرضه على مصلحة الطب الشرعي لإجراء تحليل مخدرات لمعرفة ما إذا كان يتعاطى مواد مخدرة وقت وقوع الحادث أم لا. وقررت النيابة إخلاء سبيل الشيف بكفالة مالية قدرها 20 ألف جنيه بعد سماع أقواله.
كانت أجهزة الأمن في مديرية أمن الجيزة قد ألقت القبض على نجل الشيف ووالده بعد ساعات من وقوع حادث الدهس. وأفادت التحريات بأن السيارة اصطدمت بالدراجة النارية من الخلف، مما أسفر عن وفاة عبد الرحمن. وأفاد شاهد عيان بأن قائد السيارة توقف على بعد 100 متر بسبب عطل أصابها، لكنه لاذ بالفرار من الموقع.