لم يكن الحريق الذي اندلع في مول «الغريب» مجرد حادث عابر، بل كان أشبه بصفعةٍ ثقيلةٍ ضربت قلب سوق التوفيقية وسط القاهرة، ذاك المكان الذي لطالما نابض بالحياة والحركة، حيث تتشابك الأزقة الضيقة بروائح الإطارات والزيوت وصخب المارة والباعة. اليوم، بات المكان مُغطى بسحابةٍ دخانية سوداء، كأنها وشاح حداد يلتف حول رقاب الجميع.
«كل شئ ضاع»
السحابة التي خلفها الحريق لا تزال عالقة في السماء، كما هي عالقة في صدور الناس، فالدخان هنا ليس مجرّد دخان، إنه رماد أحلام وأرزاق أُناس أفنوا أعمارهم داخل هذا السوق. وجوه الباعة التي كانت تعلوها الابتسامات المعهودة تحوّلت الآن إلى ملامح منكسرة، تعكس شعورًا ثقيلًا بالفقد والحسرة.
«كل شيء ضاع»، قالها أحد أصحاب المحال بصوت متهدج، فيما كان ينظر إلى كومة من الأنقاض التي كانت بالأمس تضم إطارات وأرفف معدنية ودفاتر بيع، وحتى ذكريات عمر كامل. لا يعرف الرجل كيف سيبدأ من جديد، ولا إن كان يمكنه البدء أصلًا.
أما أصحاب المول المحترق، فقد وقفوا بلا حيلة، كما لو أن ألسنة اللهب التي التهمت الطوابق الأربعة التهمت أيضًا قدرتهم على الكلام. كانوا ينظرون إلى المبنى وكأنه شاهدٌ حيٌّ على خيبةٍ لا تحتمل، يتحدثون همسًا عن خسائر تُقدر بالملايين، وعن عائلاتهم التي ستُحرم لقمة العيش، وعن طموحات كانت ترتكز على هذا الصرح الذي بات ركامًا.
«رائحة الحريق»
في الشوارع المحيطة، يسيطر الصمت على المحلات التي أغلقت أبوابها في لحظة رعب، خوفًا من امتداد النيران. أصحاب المتاجر الصغيرة جلسوا على الأرصفة، يتبادلون النظرات القلقة، وهم يراقبون رجال الإطفاء الذين كافحوا لساعات وسط الدخان الكثيف والحرارة الحارقة.
لماذا استوقفت أجهزة الأمن السيارة التي يقودها مجدي عبدالغني في الدقي؟
جنح مستأنف الجيزة تخفف حكم حبس عمر زهران من سنتين إلى سنة واحدة
في الأجواء، تبقى رائحة الحريق عالقة، تُخبر كل من يعبر المكان أن النار لم تلتهم الإطارات فقط، بل التهمت الروح التي كانت تُحيي هذا السوق. الأطفال الذين كانوا يركضون في الأزقة توقفوا عن اللعب، وكبار السن الذين كانوا يجلسون على أطراف الطرقات باتوا يحدقون في السماء الدخانية بحزنٍ يشبه الوداع الأخير.
تواصل قوات الأمن التحقيق لمعرفة السبب الحقيقي وراء الكارثة، يبقى أهل السوق بين أنقاض أحلامهم، يحاولون العثور على بصيص أمل وسط هذا الدخان الكثيف.
