الليل يلف عزبة الزرايب في القاهرة بعباءة من السواد، يتخللها وهج النيران التي ارتفعت إلى عنان السماء.. 4 مصانع لفرز القمامة، تحولت في لحظات إلى كومة من الجمر والدخان، وسط هذا المشهد الجحيمي كانت قوات الحماية المدنية تتقدم بشجاعة، كأنها تحارب وحشًا جائعًا يبتلع كل شيء في طريقه.
ألسنة اللهب تلتهم الجدران بسرعة، في حين تصاعدت أصوات الأهالي في الخارج كأنها سيمفونية من الألم والخوف، الرجال يصرخون، النساء يولولن، والأطفال ينظرون بعيون واسعة تحكي ألف سؤال لا يملك أحد جوابًا له، في هذا المشهد الكابوسي، اخترقت قوة من رجال الحماية المدنية الحواجز المشتعلة، وخرجت وهي تحمل رجلًا بدا كأنه قادم من عالم آخر.
حريق منشأة ناصركان وجهه مغطى بالسخام، وعيناه زائغتين، ويداه متشبثتين بثياب أحد رجال الإنقاذ وكأنه طفل خائف، هذا الرجل لم يكن مجرد ناجٍ، بل كان جزءًا من القصة؛ هو العامل الذي كان بداخل أحد المصانع الأربعة لحظة اشتعال الحريق، مصانع كانت بيته الثاني، ومصدر رزقه الوحيد، والآن أصبحت رمادًا.
حريق منشأة ناصرفي الخارج، تصاعدت صرخات الأهالي عندما رأوا الرجل يُنتشل من وسط الجحيم، لم يكن أحد يتوقع أن يخرج حيًّا، وكأن السماء استجابت لدعائهم في آخر لحظة، صوت إحدى السيدات شقّ الضوضاء: «الحمد لله… ده عايش؟!»، وكأنها ترفض تصديق عينيها.
حريق منشأة ناصرسيارات الإسعاف كانت تنتظر على بُعد أمتار، والرجال يهرولون بالرجل نحوها، كان نصف وعيه حاضرًا، لكن جسده المنهك كان يشهد على الساعات العصيبة التي قضاها بين النيران، حاول التحدث، لكن السعال قطع كلماته، ولم تخرج منه سوى همهمات مبعثرة.