بأيدٍ لم تلمس الضوء، وبإرادة لا تعرف المستحيل، يجتمع أكثر من 80 شخصًا من المكفوفين من أبناء ومعهم متطوعون، يعملون سويًا كخلية نحل داخل منازلهم لإعداد وجبات ساخنة ومغذية، ولم تمنعهم إعاقتهم من تقطيع الخضروات، أو قياس المقادير، أو الشعور بمدى نضج الطعام، فهم يمتلكون بصيرة تفوق أي بصر بعد قرارهم أن يكونوا نورًا لغيرهم، بفعاليات مبادرة "الجسد الواحد"، هدفها توفير وجبة إفطار أسبوعية لأشقاءهم من غزة، المرافقين للمصابين والمرضى في مستشفى العريش العام، ليثبتوا أن العطاء لا تحده الإعاقات، بل تحركه القلوب النقية.
"لم نرَ النور يومًا، لكننا نشعر بوهجه في عيون الآخرين عندما نسلمهم الطعام"، هكذا بدأ أحمد علي، المشرف على المبادرة وأحد فاقدي البصر، حديثه مشيرا إلى أنه في كل أسبوع، يتم اختيار منزل أحد المتطوعين ليكون مقر الطهي، فتتحول جدرانه إلى شاهدة على أسمى معاني التضامن، ويستعد الفريق مسبقًا، يجمعون التبرعات من أموالهم الخاصة، ويشترون المكونات قبل بيوم، ثم يبدؤون الطهي مع بزوغ الفجر، في سباق مع الوقت لضمان وصول الوجبات ساخنة إلى المستشفى".
ويقول أحد المرافقين القادمين من غزة، وهو يرفع يده بالدعاء إنهم "يعاملوننا كأبنائهم، كأخوتهم.. أشعر أنني وسط عائلتي".
وتقول نجاح سليمان، إحدى المتطوعات:"هذه المبادرة ليست مجرد وجبة طعام، إنها رسالة حب، رسالة تقول لكل شخص يعاني، نحن معك، لسنا بحاجة إلى بصر كي نرى آلامكم، نحن نشعر بها بقلوبنا".
وقالت الطفلة ولاء سامي محمود، إحدى أصغر المتطوعات، رغم ضعف بصرها، إلا أن قلبها مبصر بالخير "أنا وأشقائي سجا وسيف ووالدتي نشارك في كل مرة، أحب أن أساعد في تحضير الطعام، أشعر بالسعادة عندما أسمع كلمات الشكر من الناس".
مع مرور الوقت، باتت المبادرة أكثر انتشارًا، وصار المكفوفون المشاركون فيها أكثر ثقة بأنفسهم، وتقول نجاح سليمان:"كان الهدف دمج المكفوفين في المجتمع، لكننا اكتشفنا أن العكس هو ما حدث، المجتمع هو الذي بدأ يندمج معنا والمؤسسات أصبحت تؤمن بنا، وأصبحنا أكثر إيمانًا بأنفسنا".
ويضيف أحمد علي:"في البداية، كنا نخشى أن نكون عبئًا على من يساعدنا، لكننا اليوم ندرك أننا جزء أساسي من هذا العمل الخيري"، والمكفوفون في "الجسد الواحد" لا ينتظرون مساعدة الآخرين، بل هم من يبادرون بها، وقد لا نستطيع رؤية ابتسامات من نخدمهم، لكننا نشعر بها، وهذا يكفي".
اثناء العمل في العريش
اثناء عملهم في الطبخ واعداد الوجبات
احمد علي