الاقتصادي

2019-02-27 23:41

متابعة
كيف نتحدّث عن القضايا الحساسة في الاجتماعات الافتراضية؟

جوزيف غريني

وضع حسن ممحاة في راحة يده وضغط عليها بقوّة للتقليل من توتّره. إذ تجاوز الوقت الدقيقة الثمانين في اجتماع الافتراضي على شبكة الإنترنت مع زملائه في الشركة ضمن خمس دولٍ أخرى. بعد أن تسبّبت أزمة مالية بخفض توقّعات الربح بشكل كبير. لذا، فقد طُلب سابقاً من الذين حضروا الاجتماع اقتطاع نسبة 15% من نفقاتهم لمساعدة الشركة للتغلب على العجز المالي المرتقب. وخلال اجتماع الشهر الماضي، أظهر الجميع التزامه بإلغاء جميع عقود المستشارين على اعتبار ذلك أحد الحلول الفوريّة للمشكلة. لكن بعد عدّة أيام، علم حسن أنّ إحدى زميلاته الأندونيسيّات، أخلّت بالتزامها وقامت بتجديد أحد العقود الاستشارية لمدة ثلاث سنوات في مشروع متعلق بالحيوانات الأليفة. وكان حسن مدركاً بأنّ ثلاثة على الأقل من زملائه في الاجتماع على معرفة بفعلتها. لكنّ أحداً منهم لم يقل شيئاً. حتى رئيس الجلسة قال: “يبدو أننا غطّينا كلّ شيء في أجندة الاجتماع، هل هناك أيّ شيء آخر علينا مناقشته؟”

Follow @NadiAlIdara

لقد علّمتني ثلاثة عقود من البحث في السلوك الإنساني أنّه باستطاعتك قياس قوة العلاقات في فريق أو حتى في مؤسسة، من خلال معرفة متوسط الفارق الزمني بين لحظة تحديد المشاكل ولحظة مناقشتها. فكلّما استغرقت المشاكل وقتاً أكبر، زاد الثمن الذي تدفعه مقابل كل من الثقة والانخراط واتّخاذ القرار والإنتاجيّة والجودة والأمان والتنّوع الثقافيّ وغيرها.

وعلى الرغم من ذلك، فإنّ البحث الذي قامت به شركتي يؤكّد وجود نسبة 72% من الأشخاص الذين يلتزمون الصمت عند تراخي زملاء العمل، و57% يتغاضون عن إهمال زملائهم لإجراءات العمل المهمّة. كما يختار الناس البقاء صامتين لأسابيع وأشهر وأحياناً للأبد. في هذا الوقت، ربما تُتخذ قرارات سيئةٌ ويتضرر العملاء ولا تتم مراقبة السلوك السيء وتتفاقم مخاوف الموظفين. 

فعلى سبيل المثال، وجدنا أنّ الزملاء الافتراضيين (الذين يعملون معهم عن بعد) أكثر عرضة بـ 2,5 مرة لملاحظة قلّة الثقة وعدم الكفاءة والنكث بالوعود والقرارات السيئة على زملائهم البعيدين، مقارنة بزملائهم الموجودين معهم في نفس المكان. والأسوأ أنّهم يحتاجون وقتاً أطول بـ 5 أو 10 مرّات لإبداء قلقهم حول أخطاء الزملاء البعيدين.

وهذا المرض المتفاقم سيؤدي إلى انحدار أداء الشركة، إلّا إذا قام القادة بتطوير الكفاءات والمعايير في شركاتهم لمعالجة أكثر المشاكل حساسية بشكل فوري.

ويعود السبب وراء تعبير قلّة قليلة منا عن رأيهم حول القضايا الحساسة هو أننا مبرمجون على عدم الثقة. حيث أنّ أكثر البشر استطاعوا الاستمرار على مدى آلاف السنين، عبر افتراض سوء نيّة الآخرين وليس العكس. ونتيجةً لذلك، أصبح لدينا هذا التحيّز المحافظ: “عندما تملك الشك، كن في الجانب الآمن. استمر مختفياً ومستعدّاً وصامتاً”.

ولتقليص الفارق الزمنيّ بين ظهور المخاوف ومعالجتها في الفرق الافتراضية، نحتاج إلى خلق شعور الأمان، لأنّه يؤدّي بالناس لفتح قلوبهم. على عكس فقدان الأمان الذي يؤدّي بهم إلى إغلاقها. كما يُعتبر شعور الناس بالأمان الكافي دافعاً للمغامرة في خوض حوار خطر، وذلك عندما يُعطيهم الذين من حولهم دليلاً إيجابياً حول نواياهم واحترامهم. وإليك الطريقة التي تستطيع من خلالها خلق جو من الصراحة في الاجتماعات الافتراضية حين يكون الأمر على قدر من الأهمية.

إثبات الثقة

تؤدي الفرق الافتراضية إلى أسس من عدم الثقة، ويعود ذلك إلى حاجتنا الماسة في الحصول على معطيات تمكننا من تحديد مكاننا في المجموعة، بسبب عدم وجود اتصال مباشر بيننا وبين زملائنا في الفريق. فعندما تكون عضواً من فريق افتراضيّ، يجب افتراض أنك سوف تحتاج إلى حلّ مشكلة معقدة مع تقدم المشروع، كما ينبغي أن تبادر لعرض أدلّة تثبت موثوقيتك حين تظهر المخاوف. حيث حتى أصغر التفاصيل، يمكن أن تسدّ الفجوة التي تخلقها المسافة بين المعلومات. ثم كُن سخيّاً في المعلومة. وكُن أوّل من يُقدم المساعدة. وأرسل رسالة تهنئة عبر البريد الإلكتروني لزملائك عند نجاحهم. فالأسلوب اللّطيف في التعامل، يترك أثراً على المدى البعيد ويساعد الآخرين على تفسير نواياك بشكل مختلف.

اطلب الإذن

عندما يحين وقت طرح مشكلة ما خلال اجتماع افتراضي، اطلب الإذن. وعلى سبيل المثال، يمكن أن يبدأ حسن بـ “نعم، لدي مشكلة تحتاج إلى حل، إنّها حسّاسة، ومهمّة. هل أستمر؟”. ربما يكون طلب الإذن ظاهرياً، ولكنّه ذو أهمية على المستوى النفسي. فلا شيء يهدد السلامة مثل المفاجأة. حيث إنّ إعطاء النّاس الفرصة للانسحاب يُولد لديهم شعوراً بالسيطرة. اعطِ إشارة حول نيّتك الإيجابيّة واحترامك للآخرين من خلال تحذير مسبق. وإذا كنت تستطيع أن تعرض ما لديك بأسلوب هادئ ومنفتح، فطبقة صوتك ستعزّز ما تقوله كلماتك.

عبّر عمّا لا تريده

حينما تكون قلقاً من سوء فهم الآخرين لنواياك، استبق سوء تفسيرهم لرأيك عبر الإشارة الصريحة للموضوع. فمثلاً، يمكن لحسن أن يقول: “لبنى، هنالك إشاعةٌ تتعلّق بك وأريد حلها. فأنا لا أريد وضعك على المحك أو تقليل احترامك بأي شكل من الأشكال. ولكنّي أيضاً أريد أن أكون مخلصاً لرسالة المؤسسة التي وُكّلنا بها، وأعتقد أنك تريدين هذا. وهذه مسألة نزاهة بالنسبة لي وتخصّ مبادئي وقيمي”.

تحدّث عن القصة ببطء، وابدأ بالحقائق

دعّم أساس مخاوفك بالوقائع. ولا تستخدم أسلوب الاتهام. بل أشر للحقائق بين حين وآخر. ولا تتّهم أو تهاجم، ببساطة تحدث عن الشيء الصحيح برأيك. على سبيل المثال، يمكنك قول: “في اجتماعنا الأخير، اتفقنا على إلغاء عقود الاستشارات. لكن عندما قمت بالاتصال بمستشار عقد ماليزيا، أبلغني أنّه في اليوم السابق، لم يتم إلغاء العقد، بل تمّ تمديده لثلاث سنوات”.

شارك استنتاجك الأولي وادع الطرف الآخر إلى الحوار

بعد تقديم القصة، شارك ما توصّلت إليه من حقائق، لكن بطريقة تترك مجالاً للنقاش عبرها: “يبدو أن هذا يُناقض اتفاقنا. هل هناك شيءٌ لا أعرفه؟ هل فعلت ذلك، أم أنّه هنالك تفاصيل أُخرى تخصّ هذا الأمر؟”

قدّم دلائل على حسن نيّتك

بعد معالجة المسألة وتسويتها، أكّد للطرف الآخر نواياك واحترامك عبر السلوك الذي يتبع حل المشكلة. كإرسال رسالة من خلال البريد الإلكتروني لتأكيد أي ضمانات قمت بتقديمها، من دون الاعتذار عن أي تعبير سابق عن رأيك.

هذه الاقتراحات لا تضمن سير جميع المحادثات الافتراضيّة على ما يرام، لكنها تزيد احتمالية ذلك بشكل كبير. ولا شكّ أنّ الأمر يحتاج إلى الشجاعة، فحتّى لو كانت المحاولة الأولى ضعيفة، يمكنك زيادة شعور الآخر بالأمان من خلال الطريقة التي تتصرف بها بعد المحادثة. إذ تُعتبر الطريقة الوحيدة لمساعدة أي فريق افتراضي على تطوير أسلوبه في خوض الحوارات الحاسمة، حتّى إن لم تسر الأمور على ما يرام في البداية.

في النهاية، لم يقل حسن شيئاً. وبدلاً من ذلك، استخدم انتهاك لبنى الصريح للاتفاق ذريعة لمواصلة عمله مع مستشاريه. وهذا بالطبع، ليس بالأمر الجيد للفريق أو الشركة. فبداية المتاعب ضمن الفرق الافتراضية تبدأ دوماً عندما يختار أعضاء الفريق الاستمرار بالعمل بدلاً من التعبير عن قلقهم.

تنويه: نشرت هذه المقالة ضمن اتفاقية إعادة النشر باللغة العربية الموقعة بين هيكل للإعلام ونيويورك تايمز سينديكت لنشر مقالات من هارفارد بزنس ريفيو، وتمت ترجمتها في قسم التعريب والترجمة في هيكل ميديا، إن النسخ وإعادة النشر بأي شكل وفي أي وسيلة دون الحصول على إذن مسبق يعتبر تعدياً على حقوق الملكية ويعرض صاحبه للملاحقة القانونية. جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشينغ – 2017.

للإطلاع على النص الأصلي
0
0
مشاركة
حفظ

آخر الأخبار

أحدث الأخبار

    أحدث الفيديوهات